/م51
وتشير الآية التّالية إلى الأعذار التي كان يتشبث بها أفراد ذوي نفوس مريضة لتبرير علاقاتهم اللاشرعية مع الغرباء ،واعتمادهم عليهم وتحالفهم معهم ،مبررين ذلك بخوفهم من الوقوع في مشاكل إِن أصبحت القدرة يوماً في يد حلفائهم الغرباء ،فتقول الآية: ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ){[1063]} .
ويذكر القرآن الكريم هؤلاء الضعفاء ذوي النفوس المريضة رداً على تعللهم في التخلي عن حلفهم مع الغرباء ،فيبيّن لهم أنّهم حين يحتملون أن يمسك اليهود والنصارى يوماً بزمام القدرة والسلطة يجب أن يحتملواأيضاًأن ينصر الله المسلمين فتقع القدرة بأيديهم ،حيث يندم هؤلاء على ما أضمروه في أنفسهم ،كما تقول الآية: ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) .
ويشتمل هذا الجواب القرآنيفي الحقيقة على جانبين:
أوّلهما: أنّ أفكاراً كهذه إِنما تخرج من قلوب مريضة لأفراد تزلزل إيمانهم وأصبحوا يسيئون الظن بالله ،ولو لم يكونوا كذلك لما سمحوا لهذه الأفكار بأن تداخل نفوسهم .
أمّا الجانب الثّاني في هذا الجواب فهو مواجهتهم بنفس الحجة التي أوردوها لتعللهم ذلك ،إِذ أنّ احتمالهم لوقوع السلطة بيد اليهود والنصارى يقابلهبالضرورةاحتمال آخر وهو انتصار المسلمين واستلامهم لمقاليد الأُمور ،وبهذا لا يكون هناك أي مجال لتشبث هؤلاء بحلفهم مع أُولئك أو الاعتماد عليهم .
وعلى أساس هذا التّفسير فإنّ كلمة ( عسى ) التي لها مفهوم الاحتمال والأمل ،تبقى في هذه الآية محتفظة بمعناها الأصلي لكن بعض المفسّرين قالوا بأنّها تعني هنا الوعد الجازم من قبل الله للمسلمين ،وهذا ما لا يتلاءم وظاهر كلمة ( عسى ) البتة .
أمّا المراد من جملة ( أو أمر من عنده ) التي جاءت بعد كلمة ( الفتح ) في هذه الآية فيحتمل أنّها تعني أنّ المسلمينفي المستقبلإمّا أن يتغلبوا وينتصروا على أعدائهم عن طريق الحرب أو بدونها كأن تتوسع قدرتهم إلى درجة يضطر بعدها الأعداء إلى الخضوع والاستسلام للمسلمين دون الحاجة إلى الدخول في حرب .
وبتعبير آخر: كلمة ( الفتح ) تشير إلى الانتصار العسكري للمسلمين ،وأنّ جملة ( أمر من عنده ) إِشارة إلى الانتصارات الاجتماعية والاقتصادية وما شابه ذلك .
إِنّ بيان هذا الاحتمال من قبل الله سبحانه وتعالى ،مع كونهعزّ وجلّعالماً بجميع ما سيحصل في المستقبل ،يدل على أنّ الآية تشير إلى الانتصارات العسكرية والاجتماعية والاقتصادية التي سيحرمها المسلمون في المستقبل .
وتشير الآية في الختام إلى مصير عمل المنافقين ،وتبيّن أنّه حين يتحقق الفتح للمسلمين المؤمنين وتنكشف حقيقة عمل المنافقين يقول المؤمنونبدهشة: هل أنّ هؤلاء المنافقين هم أُولئك الذين كانوا يتشدقون بتلك الدعاوى ويحلفون بالإيمان المغلظة بأنّهم معنا ،فكيف وصل الأمر بهم إلى هذا الحدّ ؟حيث تقول الآية: ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أنّهم لمعكم ...){[1064]} .
/خ53