المفردات:
أولياء: أحبابا ،أو أصدقاء ،أو نصراء .
التفسير:
51- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء ...الأية .
خطاب من الله تعالى لجميع المؤمنين يحذرهم فيه من مصاقاة اليهود والنصارى مصاقاة الأحباب ومعاشرتهم معاشرة الأصدقاء والنصراء .
وقد روى ابن جرير أن هذه الآية وما بعدها نزلت في عبد الله بن أبي حينما تشبت بمخالفة اليهود وقال: إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من موالي .
وقيل: أنها نزلت في أبي لبابة الأنصاري حين قال لبني قريظة إذا رضوا بحكم سعد بن معاذ: إنه الذبح .ثم أدرك أبو لبابة بعد ذلك أنه خان الله ورسوله .
والخطاب في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قال الدكتور محمد سيد طنطاوي:
أي: يأيها الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،لا يتخذ أحد منكم أحدا من اليهود والنصارى وليا ونصيرا ،أي: لا تصافوهم مصافاة الأحباب ،ولا تستنصروا بهم ؛فإنهم جميعا يد واحدة عليكم يبغونكم الغوائل ،ويتربصون بكم الدوائر ،فكيف يتوهم أن تكون بينهم موالاة لكم ؟
لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء .أي: لا يتخذ احد منكم أحدا منهم وليا يعتمد عليه ويستنصر به ويتودد إليه ويخالطه مخالطة الأصفياء .
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ .أي: لا تتخذوا أيها المؤمنون اليهود والنصارى أولياء ؛لأن بعض اليهود أولياء لبعض منهم وبعض النصارى أولياء لبعض منهم ،والكل يضمرون لكم البغضاء والشر ،وهم وإن اختلفوا فيما بينهم ،لكنهم متفقون على كراهية الإسلام والمسلمين .
قال تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ ( آل عمران: 28 ) .
وقيل: مراد هذه الفقرة أن اليهود يوالون النصارى ،والنصارى يوالون اليهود على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وعداوة ما جاء به ،وإن كانوا في ذات بينهم متعادين متضادين .
وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .أي: ومن يتودد إلى اليهود والنصارى ويستنصر بهم فإنه من جملتهم وليس مع جماعة المؤمنين .
والولاية لليهود والنصارى إن كانت على سبيل الرضا بدينهم والطعن في دين الإسلام ؛كانت كفرا وخروجا عن دين الإسلام ،وإن كانت على سبيل المصافاة والمصادقة ؛كانت معصية تختلف درجتها بحسب قوة الموالاة ،وبحسب اختلاف أحوال المسلمين وتأثرهم بهذه الموالاة .
قال الفخر الرازي:
قوله: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .قال ابن عباس: يريد كأنه مثلهم ، وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين .
روى عن ابي موسى الأشعري أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن لي كاتبا نصرانيا ؛فقال: مالك قاتلك الله ألا اتخذت حنيفيا ،أما سمعت قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء .
قلت: له دينه ،ولي كتابته ،فقال: لا أكرمهم إذا أهانهم الله ،ولا أعزهم إذا أذلهم الله ،ولا أدنيهم إذا أبعدهم الله ،قلت: لا يتم أمره البصرة إلا به ،فقال: مات النصراني والسلام .
يعني: هب انه مات فماذا تصنع بعد ،فما تعمله بعد موته فاعمله الآن واستغن عنه بغيره{[263]} .
إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .أي: إن الله لا يوفق إلى قبول الحق ،أولئك الذين ظلموا أنفسهم باختيار الضلالة على الهدى ،وظلموا غيرهم بإيذائهم ومضارتهم ،وتدبير الكيد لهم ،فلا يهدي إلى الإيمان من ظلم نفسه من المسلمين .بموالاة غير المؤمنين ،وإتباع غير طريق المسلمين .
وفي ختام الآية بهذا: زجر شديد للمؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى ،وأنه ظلم للإسلام ،لا يهدي الله صاحبه .