وإذا كانت الأنعام حلالاً لكم بذبحها ،فلا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله تعالى عليه عند ذبحه .إن ذلك فسقٌ وخروج عن حكم الله ،وإن المفسدين من شياطين الإنس والجن ليُوَسْوِسون في عقول من استولوا عليهم ليجادلوكم بالباطل ،علّهم يُقنعونكم بأكل الذبائح التي يذكرون عليهم اسم آلهتهم ،أو ينحرونها للميسر .ومثل ذلك شأن الميتة ،فقد كان المشركون يجادلون المسلمين في تحريمها ،ويقولون إن الله ذبحها ،فكيف يأكل المسلمون مما ذبحوا بأيديهم ،ولا يأكلون مما ذبح الله ؟إن هذا من السخف ،فإن قبلتموه وأطعتموهم كنتم مثلهم في الشرك بالله .
ونجد الأئمة رحمهم الله قد اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
فبعضهم يقول: إن كل ذبيحة لم يُذكر اسم الله عليها عمدا أو سهواً لا يحِلُّ أكلها مطلقا .وهذا القول مرويُّ عن ابنِ عُمَرَ ومولاه نافع ،ورواية عن مالك ،وعن أحمد بن حنبل ومذهب أبي ثور ،وداود الظاهري .
والقول الثاني: إن التسمية على الذبيحة ليست شرطاً بل هي مستحبة ...فإن تركَها عمداً أو نسياناً لا يضر .وهذا مذهب الإمام الشافعي وجميع أصحابه .وروي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة ،وعطاء بن رباح ،وقالوا: إن النهي كان عن الذبائح التي تذبحها قريش لآلهتهم ،أما ترك التسمية فلا يضر .
والقول الثالث: إن تَرَكَ التسمية سهواً لا يضر ،وإن تركها عمداً لم تحل .وهذا هو المشهور من مذهب مالك وأحمد بن حنبل ،وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه ،وهو مروي عن سيدنا عليّ وابن عباس والحسن البصري وغيرهم .
قال ابن جرير في تفسيره: اختلف أهل العلم في هذه الآية ،هل نُسخ من حكمها شيء أم لا ؟فقال بعضهم: إنها مُحكَمة ولم يُنسخ منها شيء ،وقال بعضهم: إنها نُسخت بقوله تعالى:{اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} .
ثم قال ابن جرير: والصواب ،إنه لا تعارُضَ بين حِل طعام أهل الكتاب وبين تحريم ما يُذكر اسم الله عليه .وهذا هو الصحيح .
وبعض العلماء يرى أن ما يُذبح عند استقبال مَلِك أو أمير حرامٌ ،ولا يجوز أكلُه وفي هذا تشديد وتزمُّت ،فإن مثل هذه الذبائح حلال ،وليست محرّمة ،لأن الناس لا يعبدون هؤلاء الذين ذبحوا لهم عند قدومهم .وليس هذا الاستبشار بقدومهم إلا كذبح العقيقةِ للمولود وغير ذلك ...