الفلق: الشق .
الحب: الحنطة ،وكل أنواع الحبوب .
النوى: واحدها نواة وهي بزرة التمرة والزبيبة .
تؤفكون: تضلون ،تصرفون .
بعد أن أثبت الله سبحانه أمر التوحيد وثبّته ،ثم أردف أمر النبوة والبعث ،وردّ على منكري الوحي ،وأوعدهم يوم الجزاء شراً ،جاء هنا ليطلع الناس على آياته العظمى في هذا الكون العجيب .
إن دلائل قدرة الله على البعث ،واستحقاقه وحده للعبادة ،متوافرة متنوعة .فهو وحده الذي يشق الحب ويخرج منه النبات ،ويشق النوى ويخرج منه الشجر .إنه هو الذي يخرج الحي من الميت ،كالإنسان من التراب ،والميتَ من الحي ،كاللبن من الحيوان .
ولقد اقترنت ( فالقُ الحب والنوى ) بآية ( فالق الإصباح ) وهي تدل على وجود الضوء والظلام ،وإن الضوء مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو النبات والأشجار .ذلك أن الحب والنوى بعد أن تُفلق نباتاً إنما تحتاج إلى غذاء ...وهذا الغذاء يتكون من عناصر الأرض الخِصبة ،ومن ضوء الشمس ،فجذور النبات تتغذى من الأرض ،وأغصانه وأوراقه تتغذى من حرارة الشمس التي يؤذن بها الصباح .
وهذه من قدرة الله وحده ،فلا يقدر إلا الله أن يجهّز الكائن الحي بالقدرة على إحالة الذرات الميتة إلى خلايا حية ،أو تحويل الخلايا الحية مرة أخرى إلى ذرات ميتة .
يقول الدكتور ايرفنج وليام في مقال عنوانه: المادية وحدها لا تكفي ،في كتاب «الله يتجلى في عصر العلم » .
«إن العلوم لا تستطيع أن تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية في صغرها والتي تتكون منها جميع المواد .كما لا تستطيع أن تفسر لنا ،بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها ،كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكي تكوّن الحياة .ولا شك أن النظرية التي تدّعي أن جميع صور الحياة الراقية قد وصلت إلى حالتها الراهنة من الرقي ،بسبب حدوث بعض الطفرات العشوائية والتجمعات والهجائن ،نظريةٌ لا يمكن الأخذ بها إلا عن طريق التسليم فهي لا تقوم على أساس من المنطق والإقناع » .
ويقول الدكتور البرت ماكوب ونشستر ،المتخصص في علم الأحياء ،في مقال: العلوم تدعم إيماني بالله ،من كتاب «الله يتجلى في عصر العلم » .
«لقد اشتغلت بدراسة علم الأحياء ،وهو من الميادين العلمية الفسيحة التي تهتم بدارسة الحياة ،وليس بين مخلوقات الله أروع من الأحياء التي تسكن هذا الكون .
انظر إلى نبات برسيم ضئيل ،وقد نما على أحد جوانب الطريق .هل تستطيع أن تجد له نظيراً في روعته بين جميع ما صنعه الإنسان من تلك العدد والآلات الرائعة ؟إنه آلة حيّة تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار ،بآلاف من التفاعلات الكيماوية والطبيعية .ويتم كل ذلك تحت سيطرة البروتوبلازم ،وهي المادة التي تدخل في تركيب الكائنات الحية .
فمن أين جاءت هذه الآلةُ المعقدة ؟إن الله لم يصنعها هكذا وحدها ،ولكنه خلَق الحياة ،وجعلها قادرة على صيانة نفسها ،وعلى الاستمرار من جيل إلى جيل ،مع الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعيننا على التمييز بين نبات وآخر .إن دراسة التكاثر في الأحياء تعتبر أروع دراسات علم الأحياء ،وأكثرها إظهارا لقدرة الله .إن الخلية التناسلية التي ينتج عنها النبات الجديد ،تبلغ من الصغر درجة كبرى بحيث يصعب مشاهدتها إلا باستخدام المجهر .ومن العجيب أن كل صفة من صفات النبات ،كل عرق ،وكل شُعَيْرة ،وكل فرع على ساق ،وكل جذر أو ورقة- يتم تكوينها تحت إشراف مهندسين قد بلغوا من دقة الحجم مبلغا كبيرا ،فاستطاعوا العيش داخل الخلية التي نشأ منها النبات !!تلك الفئة من المهندسين هي فئة الكروموسومات ( ناقلات الوراثة ) .وكل ذلك يتم بإذن الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ،وبقدر الله الذي تتم به كل حركة في الوجود كله » .
{ذلكم الله} ربُّكم مبدعُ المعجزة المتكررة ذات السر العجيب .{فأنى تُؤْفَكُونَ} ؟فكيف تُصرفون عن هذا الحق الواضح للعقول والعيون !كيف تشركون به من لا يقدر على شيء من ذلك !؟.
ويجيء ذكر معجزة انبثاق الحياة من الموت كثيرا في القرآن الكريم كما يجيء ذكر خلق الكون ابتداءً ،في معرض التوجيه إلى حقيقة الألوهية ،وآثارها الدالة على وحدة الخالق وقدرته .ويهدف ذلك إلى تقويم تصور البشر بإعطائهم العقيدة الصحيحة .