المفردات:
فالق: الفلق ؛الشق .
النوى: ما في داخل الثمرة ؛تمرا أو غيره .
يخرج الحي من الميت: يخرج النبات الحي من التربة الميتة ،والزرع من الحب ،والشجر من النوى .
تؤفكون: أي تصرفون يقال أفكه عن الأمر يأفكه أي صرفه عنه إلى غيره .
التفسير:
95- إن الله فالق الحب والنوى ...الآية .
تستعرض الآيات القدرة الإلهية ،وآثار رحمة الله في إعمار الكون ،وسوق المطر وإنبات النبات وتسخير الشمس والقمر ،وهذه من لطائف القرآن وخصائصه ،فهو لم يجمع الآيات الكونية في سورة واحدة ،وإنما كان يتخلل حديثه لفت الأنظار إلى آثار القدرة ،ونحن في الآيات السابقة شاهدنا أدلة الوحدانية ،ونفى الشركاء ،وتفرد الإله بالألوهية .
وهنا نجد أدلة القدرة والعظمة ،وبيان أن وراء هذا الكون البديع يدا حانية تحفظ توازنه ،وتمده بمقومات الحياة وبصنوف النعم .قال تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ...
( النحل: 53 ) .
إن الله فالق الحب والنوى .
إن الله وحده هو الذي يشق الحبة اليابسة كالحنطة فيخرج منها النبات الأخضر النامي ،وكذلك الزروع على اختلاف أصنافها والله وحده هو الذي يشق النواة الصلبة فيخرج منها النخلة والشجرة النامية .وفي ذلك أكبر دلالة على قدرة الله التي لا تحد وعلى أنه هو المستحق للعبادة لا غيره .
ونجد عجائب في طبيعة الشجرة أو النخلة .
كما يذكر الإمام فخر الدين الرازي في تفسير الآية قائلا:
إنه إذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة ثم مر بها قدر من الماء أظهر الله تعالى في تلك الحبة والنواة من أعلاها شقا ومن أسفلها شقا آخر ،فالأول يخرج منه الشجرة الصاعدة إلى الهواء ،والثاني يخرج منه الشجرة الهابطة في الأرض .وهنا عجائب .
لأن الذي يغوص في الأرض أطراف بسيطة في غاية الدقة واللطافة ،ولكنها تغوص في الأرض الصلبة بقدرة الله العزيز الحكيم .لتكون الجذور التي تثبت الشجرة أمام الأعاصير والرياح .
وفي تكوين الورقة الواحدة وما فيها من عروق وأوتار دليل من دلائل القدرة الإلهية .وكل ذلك إنما ظهر من كيفية خلقه تلك الورقة من الحبة والنواة .
يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي .
أي يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات والشجر مما لا ينمو كالنطفة والحبة .
ومخرج الميت من الحي .
فهو يخرج الخلايا الميتة من النبات والحيوان ،كما يخرج الأظافر والشعر .وبقايا الغذاء من الخلايا الحية من الإنسان والحيوان ،وحينما يموت النبات والحيوان والإنسان ،تتحلل أجسامها جميعها فتعود إلى العناصر الترابية التي كانت قد تكونت وهي بضعة عشر عنصرا على اختلاف في النسب بين الحيوان والنبات .
ذلكم الله .
أي صانع ذلك الصنع العجيب هو الله ذو القدرة العجيبة ،المستحق للعبادة دون سواه .
فأنى تؤفكون .
فكيف تصرفون عن الحق ما ترون من كمال قدرته وبديع صنعه ؟.
وكيف تصرفون عن عبادة الله إلى عبادة آلهة أخرى ؟