جعل: خلق .
النجوم: جمع نجم وهي الأجرام السماوية التي نرى كثيرا منها بالعين المجردة .
الطلمات: المراد بالظلمات ظلمة الليل ،في أسفارنا برا وبحرا .
إن الله هو الذي خلق لكم النجوم أيها الناس ،تستدلّون بها على الطريق فتسلكونها وتنجون من الأخطار في البر والبحر .فالله سبحانه وتعالى يذكّرنا ببعض فضله علينا في تسخير هذه النيرات التي نراها صغيرة ،لبعدها عنا ،بعد أن سبق وذكَرنا ببعض فضله في الشمس والقمر اللّذين يبدوان كبيرين في أعين الناس لقربهما .
وأقرب كوكب منا هو القمر ،يبعد عن الأرض بنحو مائتين وأربعين ألف ميل ،وهو يدور حول الأرض ويكمل دورته في تسعة وعشرين يوما ونصف يوم .وتبعد أرضنا عن الشمس ثلاثة وتسعين مليون ميل ،وهي تدور حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة ،وتدور حول الشمس في دائرة مساحتها مائة وتسعون مليون ميل ،وتستكمل دورتها في هذه الدائرة مرة واحد في سنة كاملة .وتوجد تسعة كواكب مع الأرض هي: عطارد والزهرة والمّريخ وزحَل والمشتري واورانوس ونبتون وبلوتو ،وكلها تدور حول الشمس بسرعة فائقة ،وبعضها يكمل دورة كاملة في ثمانية وثمانين يوماً وهو عطارد ،أقرب الكواكب إلى الشمس ؛وبعضها يكمل دورة كاملة في مدة مائتين وثمان وأربعين سنة وهو بلوتو ،أبعد الكواكب من الشمس .وهو يدور في دائرة مساحتُها سبعةُ بلايين وخمسمائة مليون ميل .وحول هذه الكواكب يدور واحد وثلاثون قمراً أخرى .وتوجد غير هذه الكواكب حلقة من ثلاثين ألفا من «النجيمات » وآلاف المذنبات ،وشهب لا حصر لها وكلها تدور حول ذلك السيّار العملاق الذي نسميه الشمس ،التي يبلغ قطرها: ثمانمائة وخمسة وستين ألف ميل .وهي أكبر من الأرض بمليون وربع مليون مرة .
ولا تشكّل هذه الشمس وما حولها من الكواكب المذكورة ،والأقمار ،والنجيمات ،والشهب التي تشغل هذا المجال الواسع ،ذرةً صغيرة في هذا الكون الواسع الذي لا يدركه عقل ولا بصر .ثم إن هذه الشمس ليست بثابتة أو واقفة في مكان ما ،وإنما هي بدورها ،ومع كل هذه الأجرام التي ذكرناها- تدور في النظام الرائع البديع بسرعة 600 ، 000 ألف ميل في الساعة وفي هذا الكون الفسيح العجيب آلاف الأنظمة غير نظامنا الشمسي يتكون منها ذلكم النظام الذي نسمّيه «المجرّات » أو مجاميع النجوم ،وكأنها جميعها طبق عظيم تدور عليه النجوم والكواكب منفردة ومجتمعة ،كما يدور الخذروف «البلبل » حين يلعب الأطفال .
ومجرّات النجوم هذه تتحرك بدورها أيضا ،فالجرّة التي يقع فيها نظامنا الشمسي تدور حول محورها بحيث تكمل دورةً واحدة كل مائتي بليون سنة ضوئية 200 ، 000 ، 000 ، 000 وهذا شيء مذهل ومحيِّر لا تتصوره العقول .
ويقدّر علماء الفلك أن هذا الكون يتألف من خمسمائة مليون من المجرات ،في كل منها «مائة مليار » من النجوم ،أو أكثر أو أقل .
ويقدّرون أن أقرب مجموعة من النجوم ،وهي التي نراها في الليل كخيوط بيضاء دقيقة والتي نسميها درب التبّانة ،تضم حَيّزاً مداه ألف سنة ضوئية .وسرعة الضوء 300 ، 000 ألف كيلو متر في الثانية .وبمعرفة هذه الحقيقة يتبين لنا اتساع السنة الضوئية ومقدار زمنها ،وكم تكون مسافة ألف سنة ضوئية .إنها شيء مذهل حقا ،فوق تفكير البشر وطاقته .
ونبعد نحن سكان الأرض عن مركز هذه المجموعة بمقدار ثلاثين ألف سنة ضوئية ،وهذه المجموعة جزء من مجموعة كبيرة تتألف من سبع عشرة مجرة .وقطرة هذه المجموعة الكبيرة ( ذات السبع عشرة ) مليونان من السنين الضوئية .
والحديث في هذا الموضوع طويل جدا ،ومحيّر ومذهل .وحين ينظر العقل إلى هذا النظام العجيب ،والتنظيم الدقيق الغريب المدهش لا يلبث أن يحكم باستحالة أن يكون هذا كله قائما بنفسه ،بل إن هنالك طاقة غير عادية هي التي تقيم هذا النظام العظيم ،وتهيمن عليه .
ولما في عالم السماوات وهذا الكون الذي بينا لمحة موجزة عنه- من بديع الصنع والنظام- ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله:
{قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .
أي: أنّا قد بينّا دلائل رحمتنا وقدرتنا لقوم ينتفعون بالعلم .فهو يوجّهنا إلى هذا الكون ،وما فيه من حقائق مذهلة ،تدفعنا إلى التدبر والتذكّر .اللهم اجعلنا ممن ينتفعون بالعلم والمعرفة ،وثّبت قلوبنا بالإيمان الصادق .
وبعد أن بيّن لنا تعالى بعض آياته في هذا الكون العجيب ليذكّرنا بذلك ،وينبّه الناس من غفلتهم ،عطف الحديث ليذكّرنا بآياته العجيبة في أنفسنا .ذلك لأن الإنسان هو أعظم شيء في الوجود .