التّفسير
بعد شرح نظام دوران الشمس والقمر في الآية السابقة ،تشير هذه الآية إِلى نعمة أُخرى من نعم الله على البشر ،فجعل النجوم ليهتدي بها الإنسان في ليالي البر والبحر: ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) .
وتختتم الآية بالقول بأنّ الله قد بين آياته لأهل الفكر والفهم والإِدراك: ( وقد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ) .
منذ آلاف السنين والإِنسان يعرف النجوم في السماء ونظامها ،وعلى الرغم من تقدم البشر في هذا المضمار تقدماً كبيراً ،فإِنّه ما يزال يتابع وضع النجوم قليلا أو كثيراً ،بحيث كانت له هذه النجوم خير وسيلة لمعرفة الاتجاه في الأسفار البرية والبحرية ،وعلى الأخص في المحيطات الواسعة التي كانت تخلو من كل إِمارة تشير إِلى الاتجاه قبل اختراع الإِسطرلاب .
إِنّ النجوم هي التي هدت ملايين البشر وأنقذتهم من الغرق وأوصلتهم إِلى بر السلامة .
لو تطلعنا إِلى السماء عدّة ليال متوالية لانكشف لنا أنّ مواضع النجوم في السماء متناسقة في كل مكان ،وكأنّها حبات لؤلؤ خيطت على قماش أسود ،وانّ هذا القماش يسحب باستمرار من الشرق إِلى الغرب ،وكلها تتحرك معه وتدور حول محور الأرض دون أن تتغير الفواصل بينها ،إِنّ الاستثناء الوحيد في هذا النظام هو عدد من الكواكب التي تسمى بالكواكب السيارة لها حركات مستقلة وخاصّة ،وعددها ثمانية: خمسة منها ترى بالعين المجرّدة ،وهي ( عطارد والزهرة ،وزحل ،والمريخ والمشتري ) وثلاثة لا ترى إِلاّ بالتلسكوب وهي ( أورانوس ونبتون وپلوتو ) بالإِضافة إِلى كوكب الأرض التي تجعل المجموع تسعة .
ولعل إِنسان ما قبل التّأريخ كان يعرف شيئاً عن «الثوابت » و«السيارات » لأنّه لم يكن هناك ما يمكن أن يجلب انتباهه أكثر من السماء المرصعة بالنجوم في ليلة ظلماء ،فلا يستبعد أن يكون هو أيضاً قد استخدم النجوم في الاستهداء ومعرفة الاتجاه .
يستفاد من بعض روايات أهل البيت( عليهم السلام ) أنّ لهذه الآية تفسيراً آخر ،وهو أنّ المقصود بالنجوم القادة الإِلهيين والهداة إِلى طريق السعادة ،أي الأئمّة الذين يهتدي بهم الناس في ظلام الحياة فينجون من الضياع ،وسبق أن قلنا أنّ هذه التفاسير المعنوية لا تتنافى مع التفاسير الظاهرية ،ومن الممكن أن تقصد الآية كلا التفسيرين{[1256]} .