{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ 57 قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُو خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ 58} [ 5758] .
هتفت الآية الأولى بالناس لافتة نظرهم إلى ما جاءهم من ربهم من موعظة على لسان رسوله ؛ليبين لهم الحق من الباطل ويشفي صدورهم من الحيرة ونفوسهم من القلق ويكون للمؤمنين به الهدى والرحمة والسكينة والطمأنينة ،وأمرت الآية الثانية النبي صلى الله عليه وسلم بتقرير ما انطوى في ذلك من فضل الله ورحمته مما هو الأجدر بإثارة فرح الناس واستبشارهم والأفضل من كل ما يشغلهم من متاع الدنيا وما يحوزونه من أعراضها .
والمتبادر أن الآيتين ليستا منقطعتين عن السياق السابق ،وأنهما جاءتا معقبتين على ما سبق من الإنذار ،وبسبيل دعوة السامعين إلى إدراك فضل الله ورحمته في إرسال الرسل إليهم وتنزيل ما فيه الشفاء والموعظة لهم عليهم ،وأسلوبهما رائع عظيم .وقد انطوى فيهما تنويه بأثر الإيمان في النفوس وما يوجده من لذة روحية تفوق كل لذة وتستحق أن يضحى في سبيلها بكل متاع زائل .فليست راحة المرء ولذته فيما يمكن أن يجمعه من حطام الدنيا ويستمتع به من متع إذ أن كثيرا ما يوجد مع هذا منغصات وآلام ،وإنما هما في طمأنينة القلب وسكينة النفس ونور اليقين وراحة الضمير وكل هذا إنما يتيسر الإيمان ويتحقق للمؤمنين الصادقين في إيمانهم ،وفي هذا تلقين جليل مستمر المدى .
وقد قال الطبرسي: إن الآية الثانية أمرت النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة المؤمنين للفرح والسرور بما شملهم الله من رحمته ومنحهم من فضله ،وتوكيد كون ما حصلوا عليه من ذلك هو خير مما يتمتع به الكفار ويملكونه ويجمعونه .ولا يخلو هذا من وجاهة ،ولا يتعارض مع ما شرحناه من مداها المستمر التلقين .