{مَّوْعِظَةٌ}: الوعظ: زجر مقترن بتخويف ،قال الخليل: هو التذكير بالخير في ما يرقّ له القلب
القرآن موعظة وشفاء
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مَّن رَّبِّكُمْ} إنها الدعوة الإِلهيّة للناس ،ليستثير فيهم إنسانيتهم التي تبحثدائماًعن ينابيع الخير في الإِحساس والشعور ،لتفجِّر فيهم القلق الباحث عن الطمأنينة وعلامات الاستفهام المتطلعة إلى المعرفة ،والاهتزاز الذي يبحث عن الاستقرار ،وذلك من خلال الإيمان المتحرك الذي يُخرجهم من جوّ اللامبالاة ليضعهم في أجواء المسؤوليّة ،بالموعظة الصادرة من الله في وحيه المنزل على رسله ،وبالأسلوب الذي يفتح أبواب الروح على الله ،ونوافذ العقل على الحق ،وآفاق الحياة على الخير ،وتلك هي مواعظ القرآن في آياته ،التي لا تتجمد في أسلوب ،بل تتحرك في أكثر من واحد من أساليب الهداية ،ليتكامل في الإنسان الجانب العقلي والعاطفي ،ليبني له العقيدة المتوازنة ،والمشاعر المتكاملة{وَشِفَآءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} في ما يعالجه من أمراض الفكر والروح التي تنفذ إلى الإنسان ،فتدخل عقله لتثير فيه الشبهات التي تفسح المجال للكفر والضلال والنفاق ،لتدفع الإنسان للسير في هذا الاتجاه المنحرف ،وتدخل شعوره فتثير فيه العداوة والحقد والبغضاء واليأس والخذلان ،فتحوّله إلى إنسان معقّد ضد الخط المستقيم في الحياة .
وتأتي آيات الله لتدلّ الإنسان على مصادر الحق وموارده ،وعلى ينابيع الخير ومجاريه ،فيعيش معها نظافة الفكر والعاطفة ،وينطلق في عقل صحيح وروح صافية غير معقّدة .وهذا ما يريده الله لعباده في وعيهم لاياته ،أن تتحرك في داخلهم لتغيّر فيهم كل شيء يدفع إلى الضلال أو يقود إلى الانحراف .{وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} فهو الذي يوضح لهم السبيل لئلا يضيعوا في الدروب المتشابهة الضائعة في متاهات الصحراء ،وهو الذي يهديهم إلى آفاقه ،ليعيشوا معه في صفاء الإيمان ونقائه ورحابة آفاقه ،وهو الذي يفيض عليهم من رحمته من خلال ما يغدقه عليهم من ألطافه التي تقودهم إلى جنته وتبعدهم عن ناره وتلتقي بهم في رضوانه ،وذلك كله للمؤمنين الذين عاشوا الإيمان فكراً وروحاً وشعوراً ومحبّةً لله وخوفاً منه .