{ولَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ 9 ولَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء ( 1 ) بَعْدَ ضَرَّاء ( 2 ) مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ 10 إلاّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ 11} [ 9 11] .
وفي الآيات إشارة تنديدية إلى خلق فاش في سواد الناس ،وهو أن المرء إذا ناله ضيق وعسر وضر بعد سعة ويسر ورخاء يئس وكفر ،وإذا ناله خير بعد شر ورخاء بعد عسر فرح وبطر وظن أنه قد أمن حوادث الدهر ومفاجآت الأيام .وقد استثنى المؤمنون الصابرون الذين يعملون الصالحات من التنديد وقُرر لهم على صبرهم مغفرة الله وأجره الكبير .
والآيات قد جاءت كما هو المتبادر معقبة على سابقاتها ،حيث انطوى فيها شرح حالة الكفار الذين كانوا السواد الأعظم من سامعي القرآن ،والذين كانوا موضوع تنديد في الآيات السابقة بعد استثناء المؤمنين الصابرين الصالحين ،وقد تكرر هذا في المناسبات المماثلة مما مرّ بعض أمثلته .
وواضح أن الآيتين الأولين وهما تنددان بذلك الخلق تنطويان على تلقين مستمر المدى فيه تحذير ودعوة إلى التفكير دائما في عواقب الأمور والاستعداد لها فلا تبطر المرء نعمة فتخرجه عن طوره ،ولا تيئسه نقمة فتسلمه إلى الكفر والجحود .وقد انطوى في الآية الثالثة تقرير أثر الإيمان في صاحبه إزاء تقلبات الدهر حيث يساعده على الصبر والاستمرار في العمل الصالح في حالتي السراء والضراء دون بطر ولا يأس .
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الثالثة حديثين نبويين أحدهما ورد في صحيحي البخاري ومسلم جاء فيه:"والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له ،إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له ،وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له وليس ذلك لأحد غير المؤمن ".وجاء في الحديث الثاني:"والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن همّ ولا غمّ ولا نصب ولا وصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلاّ كفّر الله عنه بها من خطاياه ".حيث ينطوي في الحديثين تطمين وتثبيت وبشرى للمؤمنين وحث على الشكر على حالة السراء والصبر في حالة الضراء وحيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني في هذا الشأن كما هو في كل شأن .