{أَذَقْنَا}: الذوق: مصدر: ذاق ،أي تناول الشيء بالفم لإدراك الطعم ،وسمى الله سبحانه إحلال اللذات بالإنسان إذاقة لسرعة زوالها ،تشبيهاً بما يذاق ثم يزول .وقد يكون المراد هنا: خَبَرَ نعم الله واختبرها .
{نَزَعْنَاهَا}: النزع: قلع الشيء عن مكانه .
{لَيَئُوسٌ}: فعول من يئس ،واليأس: القطع بأن الشيء المتوقع لا يكون ،ونقيضه الرجاء .
سلبيات الإنسان قابلة للتغيير
للإنسان خصائصه السلبية في نظر القرآن ،لوجود نقاط ضعف في شخصيته الداخلية ،تنعكس على مواقفه العملية في الخارج .وتتنوع هذه الخصائص السلبية تبعاً لتنوع نقاط الضعف ،ولكنها مهما تنوعت وامتدت في حياته ،فإنها لا تمثل خصائص لا تنفصل عن حركة الذات في وجودها ،لتكون ضريبة لازمة للإنسان في حياته ،بل هي من الخصائص القابلة للتبديل والتغيير ،بفعل التربية والممارسة والوعي المنفتح العميق .
{ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} من الصحة والأمن والغنى والعلم وغير ذلك ،فعاشها مدة من الزمن ،يتقلب في نعمائها وينهل من لذائذها ،ويستمتع بخيراتها ،جاهلاً بأن هذه النعم إلى زوال ،لأن سنة الحياة قائمة على التغير والتبدل ،واستسلم في ظلها لأحلامه ،كما يستسلم الحالمون إلى الأجواء السحرية اللذيذة ،وجاءت المفاجأة لتطوي صفحة وتفتح أخرى ،فقد أذقناه حلاوة النعمة فترةً من الوقت{ثم نزعناها منه} ،فإذا بالصحة تنقلب إلى مرض ،والأمن إلى خوف ،والغنى إلى فقر ،والعلم إلى جهل ونسيان ...
فكيف كان شعوره أمام ذلك كله ؟هل يتقبله بعقل واع منفتح ،يدرس الظاهرة الإيجابية الماضية من خلال أسبابها ،ويناقش الظاهرة السلبية الحاضرة ،من خلال مؤثراتها الواقعية ،مما يجعله يواجه النتائج في كلتا الحالتين بعقلانيةٍ هادئةٍ تتحرك فيها حسابات الشعور من خلال حسابات العقل ؟أو أنه يواجه المسألة بالانفعال العنيف الباحث عن الأجواء المأساوية ليغيب فيها ،وعن العنف المتمرّد ليتحرك فيه ؟إن النتيجة هي اختياره للجانب الثاني ،لأن عنصر الانفعال أقوى لديه من عنصر العقل ،{إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} فلا يُخضع الأشياء للدراسة الواقعية ليفهم أن من الممكن للمشكلة أن تجد الحلّ ،وأن الحالة الصعبة قد تتحوّل إلى حالة سهلة ،وأن العسر قد يتحول إلى حالة إشراق ينطلق في أجواء الضياء .وهو لا يلجأ إلى منطق الإيمان ليعرف أن قدرة الله لا تقف عند حدّ ،فلا مجال لليأس أمام قدرته ،بل يبقى الأمل في خضرةٍ دائمةٍ ،ونموٍّ مستمرّ ،ولذلك فهو يسقط في وحول اليأس ،ويتخبّط في ظلمات الكفر ،فيعيش في قلب الدوّامة إلى غير قرار ،هذا في الحالة الإيجابية التي تتحول إلى حالةٍ سلبيّةٍ .