ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور 9 ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور10 إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير 11 فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل 12
{ ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور 9} .
هذا نص كبير في بيان طبيعة النفس التي تخضع للحس دون العقل المدرك الذي يوازن بين الماضي والحاضر ويضبط نفسه ووجدانه ، بل يكون هلوعا عندما يصيبه ما يسوؤه وطموعا أشرا بطرا عندما ينال خيرا ويذهب عنه ما يسوؤه ، فإذا أصابه خير بطر ، وإذا أصابه سوء جزع .
أما المؤمن المدرك صبور لا تبطره النعمة ، ولا توئسه النقمة ، وهو يضبط نفسه ، وضبط النفس والصبر متلازمان لا يفترقان .
{ ولئن} ( اللام ) هي الممهدة للقسم ، إن حرف شرط ودخول اللام يؤكد فعل الشرط أي أن أذاق الإنسان منه سبحانه رحمة ثم نزعها إنه ليؤس كفور .
وهنا ملاحظات بيانية موضحة ومقربة للنص الكريم:
الملاحظة الأولى:قال سبحانه:{ أذقنا الإنسان} أي جعله يذوق ويحس متنعما ، وأضاف سبحانه وتعالى ذلك إليه لبيان عظمها وأنها منحة جليلة ، وسماها سبحانه رحمة لوجوب شكرها وبيان أنه أعطاها لتكون مصدر خير للناس تعم ولا تخص ، فهي ليست له خاصة ولكن ليكون شكرها نفعا للناس .
الملاحظة الثانية:قوله تعالى:{ ثم نزعناها منه} يشير إلى التفاوت بين العطاء الكريم والنزع الحكيم ، وفيه تفاوت بين العطاء والنزع ، وكل ذلك بتقدير العزيز العليم ، وفيه بيان أن نعيم الدنيا ليس بدائم بل فيها العطاء والمنع ، ونعيم الآخرة دائم غير مجذوذ .
الملاحظة الثالثة:هي الانتقال إلى حال شديد مؤكد في قوله تعالى:{ إنه ليؤس كفور} بصيغة المبالغة الدالة على الهلع والجزع واليأس من رحمة الله التي لا ييأس منها إلا القوم الكافرون . وكان القول:{ كفور}؛ لأنه لا يرجو الله ولا يؤمن بما عنده .
الملاحظة الرابعة:جواب القسم في قوله تعالى:{ إنه ليؤس كفور} فيه تأكيد لعمق يأسه واستيلائه عليه وكفره ، وكان التأكيد بصيغة المبالغة وباللام وبالجملة الاسمية وب{ إن} المؤكدة .
وكل ذلك لأنه مادي لا يؤمن إلا بالمادة ولا يرجو ما عند الله الذي يعطي ويمنع ويغز ويذل ، وهذا حال الإنسان الذي لا يؤمن إلا بالدنيا ، إذا كان المنع بعد العطاء .
أما حاله في النعماء بعد الضراء فقال تعالى فيه: