{والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير 70 والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون 71 والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة 1 ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون 72} [ 70 -72] .
في هذه الآيات تذكير بأفضال الله ،وتنديد بجحود الكفار بأسلوب آخر .
ففي الآية الأولى تذكير بأن الله هو الذي يخلق الناس ويتوفاهم ويقدر أعمارهم .ومنهم من يموت باكرا ،ومنهم من يشيخ ويهرم ،ويفقد ما كان له من قوة ،وينسى ما كان لديه من علم ،مما تنزه عنه الله تعالى ،فهو القادر على كل شيء ،العليم بكل شيء ،المستحق وحده للعبادة والخضوع .
وفي الآية الثانية تذكير بفضل الله على الناس ،وتنديد بالمشركين خاصة .فالله قد فضل بعضهم على بعض في الرزق ،وهم لا يقبلون أن يشاركهم في أرزاقهم عبيدهم ،ويكونوا وإياهم سواء فيها ،فكيف يجيزون أن يكون له شركاء من عبيده ،وفي ذلك ما فيه من جحود نعمة الله .
وفي الآية الثالثة تذكير للسامعين بأن الله هو الذي أنعم عليهم فجعل لهم أزواجا من أنفسهم ،وجعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة ورزقهم من الطيبات .فكيف ينسون ذلك ويؤمنون بالباطل ويكفرون بنعمة الله .
والآيات متصلة بما سبقها سياقا وموضوعا كما هو واضح .وقوة الحجة فيها واضحة في تذكير السامعين ما هم فيه ومعترفون به ،والتنديد بالكفار المشركين بما يقعون فيه من تناقض ،من حيث إنهم يعتقدون أن الله هو المحيي المميت ،وهو الرازق القابض الباسط المدبر ،ثم يتجاهلون ذلك ،فيشركون معه غيره ،ويؤمنون بالباطل ،ويكفرون بنعم الله المتنوعة عليهم .
وقال بعض المفسرين{[1269]} في جملة:{فما الذين فضلوا برآدي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء} [ 71] ،إن تأويلها: أن الله هو الذي قسم للناس أرزاقهم ،فلم ينس أحدا ،وإذا كان قد فضل بعضهم على بعض في الرزق ،فالكل يعيش من رزقه ،وحتى ما يعطيه الأسياد لعبيدهم منه ،ليسوا هم رازقيه في الحقيقة ونفس الأمر .والتقرير وجيه وصحيح في أصله ،غير أن أكثر المفسرين{[1270]} قد أولوها بما يتسق مع ما أولناها به ،وهو الأوجه بقرينة التنديد بجحود نعمة الله في الآية التي وردت فيها الجملة .