1 لا تعد عيناك عنهم: لا تنصرف عنهم ولا تهملهم .
2 تريد زينة الحياة الدنيا: تفضل عليهم أصحاب المال والجاه .
3 فرطا: باطلا أو ضلالا وخسرانا وسرفا .
{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم1 تريد زينة الحياة الدنيا 2 ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا3 28} [ 28] .
في الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بوجوب التضامن التام مع الذين آمنوا برسالته ودأبوا على الاتجاه إلى الله وعبادته في جميع أوقاتهم لا يبتغون إلا رضاه .وجعل كل اهتمامه لهم وعدم تحويل نظره واهتمامه إلى غيرهم رغبة في زينة الحياة الدنيا ومظاهرها الخلاقة المتمثلة في أصحاب المال والجاه ،وعدم إطاعة من غفل عن ذكر الله تعالى واتبع هواه وكان ضالا خاسرا أو الإصغاء إليه .
تعليق على الآية
{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ...إلخ}
وما فيها من تلقين رائع
ولقد روى المفسرون روايات عديدة متفقة في مداها كسبب لنزول الآية .منها أن بعض القوم قالوا للنبي إنا نستحي أن نجالس فلانا وفلانا وفلانا فجانبهم يا محمد وجالس أشراف قومك .ومنها أن عيينة الفزاري قال للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده جماعة من الفقراء فيهم سليمان وعليه شملة قد عرق فيها وبيده خوصة يشقها ثم ينسجها: "أما يؤذيك ريح هؤلاء ؟ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس ،ولا يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحّهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا"فأنزل الله الآية .ومنها أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا ،فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل:{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} [ الأنعام: [ 52] وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قالوا له ذلك ابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان آخران .
ولقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن هذه الآية مدنية ،وهذه الرواية تتوافق مع الرواية التي ذكر فيها كلام عيينة الفزاري الذي كان من أهل العهد المدني .والرواية الأولى يرويها الطبري عن مشركي مكة ،والرواية الثالثة يرويها ابن كثير عن مشركي مكة كذلك ويعزوها إلى مسلم كحديث صحيح .وإيراد آية مدنية في سياق مكي متصل بكفار مكة لا حكمة ظاهرة له .والآية إلى ذلك معطوفة على ما قبلها متساوقة معه في النظم حيث يسوّغ كل هذا الشك في رواية مدنية الآية ورواية عيينة الفزاري وترجيح مكية الآية وكونها في صدد موقف الزعماء المشركين من فقراء المسلمين وموقف النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك .
ولقد ورد آيات فيها شيء مما ورد في هذه الآية في سورة الأنعام التي مر تفسيرها وهي الآيات [ 51-45] وروي في صددها بعض ما روي هنا على ما ذكرناه في سياق تفسيرها حيث ينطوي في هذا أيضا تأييد لمكية السورة .ولقد علقنا على ما انطوى في آيات سورة الأنعام من صور وتلقين وهو وارد بطبيعة الحال بالنسبة لهذه الآية فلا محل لإعادته .ويظهر من تكرر الإشارة إلى هذا الموقف أنه كان يتكرر فكانت حكمة التنزيل تقتضي تكرار التعليم تثبيتا للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان شديد الحرص على جلب الزعماء إليه ،والذي كان حرصه يجعله يفكر على ما تلهمه الآيات ،ورواية ابن كثير التي يرويها عن مسلم بحديث صحيح في مسايرة الزعماء في بعض ما يقترحونه .ثم تنويها بالمؤمنين وتقريرا لرفعة شأنهم عند الله ولكون فضيلة الإيمان والعمل الصالح هي أعظم الفضائل وأن الذين يتحلون بها هم عند الله أفضل وأولى بالرعاية ،ويجب أن يكونوا كذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم وفي المجتمع الإسلامي .ولقد اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في موقفه اجتهادا يمت إلى هذا الأمر خلافا للأولى قبل أن ينزل وحي به فعوقب على ذلك على ما شرحناه في سورة عبس ؛حيث يبدو في كل هذا تلقين جليل مستمر المدى ومبدأ من مبادئ القرآن المحكمة يلمح فيهما في الوقت نفسه عدم إقرار الفروق الاجتماعية كظاهرة واجبة الرعاية في المجتمع الإسلامي .وإذا لحظنا أنه كان لهذه الظاهرة اعتبار عظيم في حياة الأمم وتقاليدها على اختلافها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بدت روعة الهدف القرآني والمبدأ المحكم والتلقين الجليل اللذين ينطويان فيه ،وبدا في هذا دليل لمن يعوزه الدليل على أن القرآن وحي من الله ينزل بما فيه الحق والحكمة ليصحح موقفا من المحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجنح إليه خلافا للأولى بدافع حرصه المذكور آنفا .وتبدو هذه الروعة أيضا في حكمة تكرار التنزيل القرآني ؛حيث كانت هذه هي المرة الثالثة التي يوحي فيها بآيات تقرر وتؤكد ذلك الهدى والمبدأ المحكم والتلقين الجليل اللذين ينطويان فيه .