/م27
المفردات:
واصبر نفسك: احبسها وثبتها .
بالغداة والعشي: أي: في طرفي النهار ،وخصهما بالذكر ؛لأنهما محل الغفلة ،وفيهما يشتغل الناس بأمور دنياهم .
وجهه: رضاه وطاعته ؛لأن من رضي عن شخص يقبل عليه ،ومن غضب عليه يعرض عنه .
ولا تعد عيناك عنهم: لا تصرف عيناك عنهم إلى أبناء الدنيا ،والمراد: لا تحتقرهم ،وتصرف النظر إلى غيرهم لرثاثة منظرهم .
تريد زينة الحياة الدنيا: تطلب مجالسة ما لم يكن مثلهم من الأغنياء ،وأصحاب الثراء .
أغفلنا قلبه: جعلناه غافلا .
فرطا: تفريطا وتضييعا لما يجب عليه أن يتبعه من أمر الدين .
28-{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} .
لقد جاء الإسلام ؛ليسوي بين الناس أمام الله ،فالخلق كلهم عيال الله ،يتفاضلون عنده بالتقوى ،ويدركون ثوابه بالعمل الصالح ،وكان كفار قريش وأغنياؤها ،يطلبون من النبي أن يطرد الفقراء عن مجلسه ،أو يجعل للأغنياء مجلسا خاصا بهم ،فإذا دخل هؤلاء الأغنياء في الإسلام ؛دخل خلفهم خلق كثير من الأتباع لهم ،وكأن النبي صلى الله عليه وسلم حدّث نفسه ،بالاستجابة لهذا العرض ،أو فكر فيه .
فنزل القرآن الكريم ؛يحثه على رفض هذا العرض ؛فالإسلام دين الوحدة والجماعة ،وإذا دخل الإيمان في القلب ؛أحب المؤمن بربه ،وأحب إخوانه المؤمنين ،وهانت عليه مظاهر الحياة ،والإسلام لا يحرم الغنى ولا المال ولا الجاه ،ما دام صاحبها يقدم أوامر الله وواجباته ؛ولكن الإسلام يحرم أن يكون المال والجاه ،هما الهدف من هذه الحياة ؛لأنهما في وضعهما الصحيح وسيلة إلى مرضاة الله ،والهدف الأساسي هو مرضاة الله وطاعته .
{وصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} .
يقول القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم: صاحب وجالس هؤلاء المؤمنين ،الذين أخلصوا أنفسهم لله ،وتوجهوا إليه بالدعاء في الصباح والمساء .
{ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} .
لا تتحول عنهم ،ولا تنصرف عنهم ،ولا يتحول اهتمامك عنهم إلى مظاهر الحياة التي يستمع بها الأغنياء ،أصحاب زينة الحياة الدنيا .
قال ابن عباس: لا تجاوزهم إلى غيرهم ؛تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة .
{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} .
أي: لا تطع كلام الذين سألوك: طرد المؤمنين ؛فقلوبهم غافلة عن ذكر الله وقد شغلوا عن الدين وعبادة ربهم بالدنيا .
{واتبع هواه وكان أمره فرطا} .
لقد اتبعوا أهوائهم ،أهواء الجاهلية ،فالناس عندهم قسمان قسم: غني قوي بسلطان ووجاهة ،وهؤلاء يحكمون ويفكرون ويملكون ،وهم أهل الوجاهة والسيادة .وقسم: فقير ضائع ،لا يجوز أن يفكر ولا أن يجلس مع الأغنياء .
فلما جاء الإسلام ؛رفض هذا المنطق ؛وبين: أن الناس أمام الله سواء ؛يتفاضلون عنده بالتقوى ويدركون ثوابه بالعمل الصالح .
{وكان أمره فرطا} .أي: كان أمره ضياعا ،وهلاكا ،ودمارا .
قال ابن جرير الطبري:
{وكان أمره فرطا} .
معناه: وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر واحتقر أهل الإيمان ،سرفا قد تجاوز حده ؛فضيع بذلك الحق وهلك .
من هدي السنة
روى الشيخان عن سهيل بن سعد الساعدي قال: مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: ( ما رأيك في هذا ؟) فقال رجل من أشرف الناس: هذا والله حري إن خطب أن يزوّج ،وإن شفع أن يشفّع ؛فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ثم مر رجل آخر من فقراء المسلمين فقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: ( ما رأيك في هذا ؟) قال يا رسول الله ،هذا رجل من فقراء المسلمين .هذا والله حري إن خطب ألا يزوّج ،وإن شفع ألا يشفّع ،وإن قال ألا يسمع لقوله .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا )30 .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله ،لا يريدون بذلك إلا وجهه ؛إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفورا لكم ؛قد بُدّلت سيئاتكم حسنات )31 .