في الآيات أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بسؤال المشركين مستفتيا مبكتا عما إذا كان يصح أن يكون لله البنات ولهم البنون ،وعما إذا كانوا حاضرين حينما خلق الله الملائكة فرأوا أنه خلقهم إناثا كما يزعمون .وتنبيه إلى ما في زعمهم من اتخاذ الله أولادا من كذب .وتسفيه في صيغة الأسئلة الإنكارية لزعمهم أن الأولاد الذين اتخذهم واصطفاهم بنات وليسوا بنين ،وخروجهم في زعمهم وحكمهم عن نطاق المنطق والعقل وتحد لهم بإظهار ما عندهم من بينة أو كتاب على صحة زعمهم إن كانوا صادقين فيه .
وفي الآيات التفات خطابي إلى المشركين الذين كانوا موضوع الحديث قبل سلسلة القصص حيث استؤنف فيها موقف المناظرة والجدل الذي حكته آيات السورة الأولى والتحم السياق بين أولها وآخرها .وبذلك تكون الآيات التي جاءت بين الآيات الأولى من السورة وهذه والتي احتوت بيان مصير الكفار والمخلصين وقصص بعض الأنبياء وأقوامهم قد جاءت من قبيل الاستطراد والاستشهاد والتذكير .
وقد تكرر هذا في سور عديدة بحيث يصح أن يقال: إنه من أساليب النظم القرآني .
تعليق على انصباب التنديد بالمشركين على زعم اتخاذ الله بنات دون البنين ،وقد يبدو لأول وهلة أن آيات الاستنكار مصبوبة بقوة أكثر على نسبة البنات له تعالى دون البنين من قبل المشركين ،وعلى تقرير كون البنين هم المفضلين على البنات .وهذا ما يبدو في مناسبات أخرى ذكرت فيها عقيدة المشركين بأن الملائكة بنات الله وقد مر مثال ذلك في سورة النجم .
والحقيقة أن هذا هو من قبيل المساجلة والجدل كما تلهم روح الآيات القرآنية وصيغتها .فالتكذيب القرآني لأساس الفكرة أي لاتخاذ الله أولادا قاطع وحاسم .غير أن العرب لما كانوا يكرهون ولادة البنات على ما حكته عنهم آيات عديدة في سياق مجادلة المشركين في هذه العقيدة وتسفيه عقولهم منها آيات سورة النحل هذه:{ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ( 57 ) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( 58 ) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ( 59 ) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ( 60 )} سلكت الآيات سبيل التأنيث في مساجلتهم تسفيها لعقولهم وسخرية من تناقضهم إذ يفضلون الذكر ويسيغون أن يكون لله غير المفضل .
وقد علقنا بما فيه الكفاية على عقيدة الكفار في الملائكة وكونهم بنات الله وعبادتهم لهم ليكونوا شفعاء لديه في سياق سورة النجم فلا نرى ضرورة للإعادة .غير أننا ننبه إلى أن مضمون الآيات هنا يلهم أن العرب المشركين كانوا يرون أنهم على حق في عقيدتهم هذه وكانوا يجادلون عنها بقوة وعناد ،فتحدتهم الآيات بقوة مماثلة وشددت عليهم بالتسفيه والسخرية .