تفريع على ما تقدم من الإِنكار على المشركين وإِبطال دعاويهم ،وضرب الأمثال لهم بنظرائهم من الأمم ففرع عليه أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإبطال ما نسبه المشركون إلى الله من الولد .فضمير الغيبة من قوله:{ فاستفتهم} عائد على غير مذكور يُعلَم من المقام .مثل نظيره السابق في قوله:{ فاستفتهم أهم أشد خلقاً أمن خلقنا}[ الصافات: 11] .والمراد: التهكم عليهم بصورة الاستفتاء إذ يقولون: ولد الله ،على أنهم قسموا قسمة ضِيزَى حيث جعلوا لله البنات وهم يرغبون في الأبناء الذكور ويكرهون الإِناث ،فجعلوا لله ما يكرهون .وقد جاءوا في مقالهم هذا بثلاثة أنواع من الكفر:
أحدها: أنهم أثبتوا التجسيم لله لأن الولادة من أحوال الأجسام .
الثاني: إيثار أنفسهم بالأفضل وجعلهم لله الأقل .قال تعالى:{ وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمان مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم}[ الزخرف: 17] .
الثالث: أنهم جعلوا للملائكة المقربين وصف الأنوثة وهم يتعيرون بأبي الإِناث ،ولذلك كرر الله تعالى هذه الأنواع من كفرهم في كتابة غير مرة .
فجملة{ ألِرَبك البنَاتُ} بيان لجملة{ فاستفتهم} .وضمير{ لربك} مخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم وهو حكاية للاستفتاء بالمعنى لأنه إذا استفتاهم يقول: ألربكم البنات ،وكذلك ضمير{ ولهم} محكي بالمعنى لأنه إنما يقول لهم: ولكم البنون .وهذا التصرف يقع في حكاية القول ونحوه مما فيه معنى القول مثل الاستفتاء .