{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( 18 )} ( 18 ) .
تعليق على الآية:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ .......................} الخ
عبارة الآية واضحة كذلك .وفيها حكاية لما كان يدعيه اليهود والنصارى من أنهم أولياء الله وذوو الحظوة عنده ،ورد إنكاري فيه تحد وإفحام .فالله يعذبهم كما يعذب غيرهم ،ولو كانوا كما يدعون لما كان ذلك .وإنهم لبشر كسائر البشر معرضون لغضب الله ورضائه وفاق أعمالهم ،وإليه مصيرهم فيجزيهم عليها .
وقد روى الطبري أن جماعة من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه وكلمهم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا: ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه ،فأنزل الله الآية وتابعه المفسرون الآخرون في رواية الرواية .
ويلحظ أن الآية قد حكت قولا مشتركا منسوبا إلى اليهود والنصارى معا مما يسوغ القول أكثر أنها استمرار للسياق الاستطرادي .وأن أسلوبها وضمير الجمع المخاطب فيها من قبيل حكاية الحال والجواب عليها مما هو مألوف في النظم القرآني .وقد مرت منه أمثلة كثيرة .ولا يمنع هذا أن يكون هذا القول صدر من بعض اليهود في موقف ما ،وأن يكون صدر كذلك من بعض النصارى أيضا ،فاقتضت حكمة التنزيل حكايته في هذا السياق .
والمتبادر أن هذا القول الذي كان يصدر عن اليهود والنصارى كان يصدر في معرض التبجج بأنهم على هدى من الله ،وبأنهم مستغنون عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وهداه ردا على مخاطبتهم وتوجيه الدعوة إليهم بتصديق الرسالة المحمدية .وأسلوب الرد قوي مفحم وبخاصة في هتافه بهم بأنهم ليسوا إلا أناسا كسائر الناس فيهم قابلية الهدى والضلال والصلاح والخطأ .
ولقد حكت آيات عديدة في سورة البقرة وآل عمران والجمعة تبجحات اليهود بأنهم أولياء الله من دون الناس ،وبأن الدار الآخرة خالصة لهم ،وبأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودات كما حكت آيات أخرى في سورة البقرة تبجحات النصارى واليهود معا بأنه لن يدخل الجنة إلا من كان على دينهم ،وأن من أراد الهدى فعليه أن يكون على دينهم .وتكرر الحكاية يدل على تكرر المواقف بطبيعة الحال .
والقول المحكي وإن كان مطلقا ،فالمتبادر أنه قول الذين كانوا يصرون على رفض الإجابة إلى الدعوة المحمدية ،ويقفون منها موقف العناد منهم .وقد ارعوى كثير منهم فآمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،وما أنزل الله عليه وتابعوه على ما ذكرته آيات عديدة مكية ومدنية أوردناها في مناسبات سابقة .
ولقد كان اليهود يزعمون أنهم شعب الله المختار وينعتون الله برب إسرائيل وينسبون إليه الوعود المتنوعة بالعناية بهم ورعايتهم في مختلف الظروف على ما يستفاد من أسفار العهد القديم المتداولة المكتوبة بأقلام متأخرة بعد موسى عليه السلام والتي تأثرت كتابتها بأحداثهم وعقدهم على ما نبهنا عليه في تعليقنا على كلمة التوراة في سياق الآية ( 157 ) من سورة الأعراف .ولقد كان النصارى يقرءون في الأناجيل المكتوبة بدورها بأقلام متأخرة بعد عيسى عليه السلام أن الذين يؤمنون بعيسى وتعاليمه يدعون أبناء الله ،وأن المسيح كان ينعت الله بأنه أبوهم الذي في السماوات .فالمتبادر أن هذا وذاك أيضا مما كان يحفز الذين ظلوا مناوئين للرسالة المحمدية من الطائفتين إلى ذلك التبجح ويتخذونه ذريعة للمناوأة .فردت عليهم الآية بالرد القوي المفحم .