ثم قال تعالى رادا على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم:( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) أي:نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية ، وهو يحبنا . ونقلوا عن كتابهم أن الله [ تعالى] قال لعبده إسرائيل:"أنت ابني بكري ". فحملوا هذا على غير تأويله ، وحرفوه . وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم ، وقالوا:هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام ، كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم:إني ذاهب إلى أبي وأبيكم ، يعني:ربي وربكم . ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من البنوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام ، وإنما أرادوا بذلك معزتهم لديه وحظوتهم عنده ، ولهذا قالوا:نحن أبناء الله وأحباؤه .
قال الله تعالى رادا عليهم:( قل فلم يعذبكم بذنوبكم ) أي:لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه ، فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم؟ وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء:أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فلم يرد عليه ، فتلا الصوفي هذه الآية:( قل فلم يعذبكم بذنوبكم )
وهذا الذي قاله حسن ، وله شاهد في المسند للإمام أحمد حيث قال:حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال:مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، وصبي في الطريق ، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ ، فأقبلت تسعى وتقول:ابني ابني! وسعت فأخذته ، فقال القوم:يا رسول الله ، ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار . قال:فخفضهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لا والله ما يلقي حبيبه في النار ". تفرد به .
[ وقوله] ( بل أنتم بشر ممن خلق ) أي:لكم أسوة أمثالكم من بني آدم وهو تعالى هو الحاكم في جميع عباده ( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) أي:هو فعال لما يريد ، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب . ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ) أي:الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه ، ( وإليه المصير ) أي:المرجع والمآب إليه ، فيحكم في عباده بما يشاء ، وهو العادل الذي لا يجور .
[ و] قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته ، فقالوا:ما تخوفنا يا محمد ! نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى فأنزل [ الله] فيهم:( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) إلى آخر الآية . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .
ورويا أيضا من طريق أسباط عن السدي في قول الله [ تعالى] ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) أما قولهم:( نحن أبناء الله وأحباؤه ) فإنهم قالوا:إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك - بكرك من الولد - فيدخلهم النار فيكونون فيها أربعين ليلة حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ، ثم يناد مناد أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل . فأخرجوهم فذلك قولهم:( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) [ آل عمران:24]