سبب النزول:
روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان ابن آصا ،وبحري بن عمرو ،وشاس بن عدى ،فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ودعاهم إلى الله وحده وحذرهم نقمته ،فقالوا: ما تخوفنا يا محمد ؟نحن والله أبناء الله وأحباؤه ،كقول النصارى ،فأنزل الله فيهم:
18-وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ{[191]} ...الآية
أي: نحن من الله بمنزلة الأبناء من الآباء ،ونحن أحباؤه ؛لأننا على دينه .
قال ابن كثير: أي: نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبنا .
قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم .أي: قل لهم – يا محمد-:إن كنتم كما زعمتم: أبناء الله وأحباؤه ،فلأي شيء يعذبكم بذنوبكم ،وأنتم مقرون بأنكم ستعذبون على ما ارتكبتم من خطايا كما حكي القرآن عنهم:
وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً .( البقرة:80 ) وهذا يتنافى مع دعواكم القرب من الله ومحبته لكم ؟!وإذن فلا مزية ولا فضل لكم على سائر البشر ولستم بأبناء الله ولا بأحبائه .
قال صاحب الظلال: واليهود والنصارى يقولون: إنهم أبناء الله وأحباؤه فيزعمون لله تعالى بنوة- على تصور من التصورات إلا تكن بنوة الجسد فهي بنوة الروح ،وهي أيا كانت تلقى ظلا على عقيدة التوحيد- ويزعمون أن الله تعالى صلة بالخلق ،لا تنبع من قيانهم بالحق ،ولكن تنبع من عواصف خاصة من الله لذوات اليهود والنصارى{[192]} .
بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ .أي: ما أنتم إلا بشر كسائر البشر من خلق الله ،من غير مزية لكم عليهم .
يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء .أي: يغفر لمن يشاء .بما يعمله من الطاعات ،ويعذب من يشاء .بما يقدمه من المعاصي ،فالأمر كله موكول إلى سنته التي تسري على الجميع سواء ،ولا تعترضها عواصف خاصة ،ولا صلات شخصية ،وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا .فهو مالك الجميع وخالق الجميع والمتصرف في الجميع ،وهذه هي الصلة العامة التي ترتبط كل المخلوقات به ،وَإِلَيْهِ الْمَصِير .وهو مصير البشر جميعا ومرجعهم إليه تعالى وحده فيجازي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
وليس له-سبحانه وتعالى- من خلقه بنون ولا بنات وليس لأحد عنده من فضل أو مزية على غيره إلا بالإيمان والعمل الصالح .
وفي الأثر: الخلق كلهم عيال الله ،الله ربهم وهم عباده ،يتفاضلون عنده بالتقوى ويدركون ثوابه بالعمل الصالح .قال تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ،وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .( الزلزلة:7-8 ) .