{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( 68 )} ( 68 ) .
تعليق على الآية
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ .......} وما فيها من أحكام ودلالات
عبارة الآية واضحة كذلك .وقد احتوت:
( 1 ) أمرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول لأهل الكتاب: إنهم لن يكونوا على شيء من الهدى والحق والصواب وأسباب النجاة إلا إذا نفذوا أحكام التوراة والإنجيل وأقاموا على أحسن وجه ،ثم آمنوا واتبعوا ما أنزل عليه أيضا ؛لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واسطة من الله إليهم به .
( 2 ) وتقريرا توكيديا بأن ما ينزله الله عليه سوف يزيد كثيرا منهم طغيانا وكفرا .
( 3 ) وتسلية له على ذلك ،فلا ينبغي أن يحزن أو يعبأ بموقف الكافرين منهم .
ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن جماعة من اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بالتوراة وتشهد أنها من الله حق قال: بلى .ولكنكم أحدثتم وجحدتم وخالفتموها وكتمتم ما أمر الله أن تبينوه منها للناس ،وأنا بريء من إحداثكم فقالوا له: فإنا نأخذ بما في أيدينا وهو الحق والهدى .ولا نؤمن بك ولا نتبعك ،فأنزل الله الآية .
والرواية لم ترد في الصحاح ،والمتبادر المستلهم من فحوى آيات السياق السابق أن الآية لم تنزل لحدتها بمناسبة ما روته الرواية ،وأنها جزء من السياق واستمرار له .ففي الآيات السابقة وجه اللوم إلى أهل الكتاب وقيل لهم لو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ومال أنزل الله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو موجه إليهم لحسنت حالتهم ،فجاءت هذه الآية لتأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول لهم ما احتوته .ولعل الآية السابقة لهذه الآية على ضوء هذا الشرح الذي نرجو أن يكون صوابا – جاءت بمثابة تمهيد وتشجيع .وكأنما أرادت أن تقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن عليه أن يقول هذا لأهل الكتاب بكل جرأة وصراحة وبدون تردد ولا حسبان ما يحدثه في كثير منهم من ازدياد الكفر والطغيان .فالله عاصمه وحاميه منهم ومن غيرهم .
وهذا لا يمنع صحة المحاورة المروية في الرواية بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم واليهود في مجلس من المجالس قبل نزول الآيات .
وإذا صحت الرواية فيكون فيها تأييد لما قلناه أكثر من مرة من أن ذكر النصارى والإنجيل في السياق قد جاء من قبيل الاستطراد والتعميم .وأن المقصود في الدرجة الأولى في السياق هم اليهود .والله أعلم .
وما قلناه قبل في صدد مدى الحث على إقامة التوراة والإنجيل في سياق الآية ( 66 ) ينسحب على ما جاء من ذلك في هذه الآية .وجملة:{لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} ليس من شأنها أن تضعف ما قلناه أو تنقصه ما دامت مقترنة بنفس الجملة السابقة:{وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} على ما شرحناه سابقا .وشرح الآية المستلهم من روحها وفحواها بالإضافة إلى الشرح السابق للآيتين ( 65 و 66 ) المستلهم كذلك من روحهما وفحواهما ينطوي على دلالة تكاد أن تكون قطعية على صواب ما قررناه من أن الآية ( 67 ) التي يتمسك بها الشيعة جزء من السياق وأن تمسكهم بها تعسف وتمحل .
وفي الآية نص صريح والحالة هذه على أن اليهود والنصارى من وجهة النظر الإسلامية ليسوا على هدى يضمن لهم النجاة عند الله ما داموا لا يؤمنون بالرسالة المحمدية والقرآن الذي أنزله الله على محمد صلوات الله عليه وسلامه ،وهو ما دعوا إليه مرارا .وكانت أحدث دعوة إليه قبل هذه الآية في الآية ( 65 ) وقبلها في الآيات ( 13 – 16 و 19 ) من هذه السورة .
ولقد روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ) ( 1 ){[831]}حيث ينطوي في الحديث تفسير وتوضيح لمدى الآية متساوقان مع ما استلهمناه منها .