( 1 ) حجاب: ستار أو حاجز أو سور .
( 2 ) الأعراف: جمع عرف .وهو كل مرتفع ومنه عرف الديك وعرف الفرس لارتفاع ريش رأس الديك وشعر الفرس وهو هنا بمعنى شرفة السور العالية .
( 3 ) سيماهم: علاماتهم المميزة .
{وبينهما حجاب1 وعلى الأعراف2 رجال يعرفون كلا بسيماهم3 ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون( 46 ) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين( 47 ) ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما غنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون( 48 ) أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون( 49 )} [ 46-49] .
ذكر المفسرون قولين في ضمير [ وبينهما]:
أحدهما: أنه عائد إلى أهل الجنة وأهل النار .وثانيهما: أنه عائد إلى الجنة والنار .وكلا القولين وارد ؛لأن الجنة والنار وأهلهما ذكروا في الآيات السابقة .وذكر المفسرون أن الحجاب هو سور مضروب بين الجنة والنار وأهلهما والأعرف هي شرفاته .وعلى كل حال فالآيات معطوفة على ما سبقها واستمرار في السياق كما هو المتبادر .
ولقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل في ماهية أصحاب الأعراف وفي الذين تحكي الآيتان [ 46 و 47] مواقفهم وأقوالهم .وقد رويت أحاديث نبوية في صدد ذلك أيضا .منها حديث رواه الطبري يذكر ( أن رجلا من بني النضير أخبر عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنه سأل رسول الله عن أصحاب الأعراف .فقال: هم قوم غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم فقتلوا ،فأعتقهم الله من النار بقتلهم في سبيله وحبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم ،فهم آخر من يدخل الجنة ) .وقد أورد ابن كثير من طرق أخرى حديثين بصيغتين مقاربتين للحديث الذي رواه الطبري .وروى حديثا آخر عن جابر بن عبد الله: ( أن رسول الله سئل عمن استوت حسناته وسيئاته ؟فقال: أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون ) .أما الأقوال التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل مثل ابن عباس والسدي ومجاهد والضحاك وأبي مجلز .فمنها أن أصحاب الأعراف هم أطفال المشركين أو أطفال المؤمنين ،أو أهل الفترة ،أو أناس استوت حسناتهم وسيئاتهم ،أو أناس تجاوزت بهم حسناتهم عن النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة ،وهم آخر من يغفر الله لهم ويؤذن لهم بدخول الجنة .بعد أن يأمرهم بالاغتسال والتطهر من نهر الحياة حتى تتلألأ أبدانهم .ومنها أنهم جماعة العلماء والفقهاء من الأمم يطلعون على الناس ويخاطبونهم .ومنها أنهم جماعة العلماء والفقهاء من الأمم يطلعون على الناس ويخاطبونهم .ومنها أنهم الأنبياء أو خزنة الجنة والنار أو كتاب أعمال الناس من الملائكة ورووا في مدى جملة{يعرفون كلا بسيماهم} أن سيما المؤمنين تكون نضرة وبياضا وسيما الكافرين سواد بشرة ووجوه وزرقة عيون .
وروى الطبرسي المفسر الشيعي عن أحد الأئمة الاثني عشر أبي جعفر أن أصحاب الأعراف هم آل محمد .لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ،ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه ،وروى إلى هذا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه وهم قسيم الجنة والنار وأورد في ذلك حديثا جاء فيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: يا علي كأني بك يوم القيامة وبيدك عصا عوسج تسوق قوما إلى الجنة وآخرين إلى النار ) .وحديثا ثانيا جاء فيه: ( أن ابن الكوا سأل عليا رضي الله عنه عن أصحاب الأعراف ؟فقال له: ويحك يا ابن الكوا هم نحن ،نقف يوم القيامة بين الجنة والنار ،فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار ) ورواية أخرى بصيغة و( قيل: إن الأعراف موضع عال على الصراط عليه حمزة والعباس وعلي وجعفر يعرفون محبيهم بياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه ) ثم عزا هذا إلى الضحاك عن ابن عباس وقال: رواه الثعلبي بالإسناد إلى تفسيره .وقد روى الطبري هذه الروايات بالإضافة إلى روايات أخرى مماثلة للروايات السابقة .
وليس من شيء من هذه الروايات والأحاديث واردا في كتب الأحاديث الصحيحة .وقد أخذ الطبري وتابعه آخرون بالأحاديث النبوية التي تذكر أنهم جماعة غزوا وعصوا آباءهم برغم عدم اتصافها بالصحة وغرابة طرقها .وهذا في حين أن عبارة الآيات تلهم بقوة: أن أصحاب الأعراف يعرفون جميع الخلق ،وأنهم في موقف الشهود العدول عليهم الذين يقولون للمؤمنين ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون .وكون ذلك من مهمتهم .وهذا يقتضي أن يكونوا الأنبياء أو الملائكة كتّاب أعمال الناس .وفي القرآن آيات عديدة يمكن أن يكون فيها تأييد لذلك .نكتفي بما جاء في سورة الزمر منها:{وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيئين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون69 ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون70 وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين71 قيل أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين72 وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين72} .
وتبعا لترجيحنا يكون الضمير في الآية [ 47] عائد إلى أهل الجنة الذين تلهم العبارة أنهم منتظرون أمر الله بدخولها وهم طامعون آملون في ذلك .
وقد ذكرنا ما ذكرنا من قبيل التعليق على الروايات واستلهام العبارة القرآنية دون قصد إلى شرح المشاهد الأخروية التي نقول في صددها: إن الإيمان بما احتوته الآيات من ذلك واجب تبعا لوجوبه بالنسبة لكل المشاهد والصور التي يذكرها القرآن مع وجوب الوقوف عند ما ذكره القرآن دون تخمين ولا تزيد ما دام ليس هناك أحاديث نبوية صحيحة .وهي وحدها التي يمكن أن يستند إليها في المسائل المغيبة التي منها المشاهد الأخروية .ويتبادر لنا من فحوى الآيات ومقامها وروحها أنها هدفت أيضا إلى بث الطمأنينة والغبطة في نفوس المؤمنين الصالحين والفزع والخوف في نفوس الكافرين الآثمين مع تبكيتهم .وأنها جاءت مطلقة لتكون عامة البشرى والإنذار والتنويه والتبكيت ومستمرة التلقين أيضا .
وفي الآية [ 49] صورة لما كان ينظر الكفار وخاصة زعماءهم من نظرة الاستكبار والاستهانة إلى الذين استجابوا للدعوة النبوية .وهو ما حكته آيات السورة السابقة وآيات عديدة أخرى أوردنا أمثلة منها في سياق السورة المذكورة .
ونقول تعليقا على الروايات التي ينفرد بها الطبرسي: إن طابع الهوى والوضع الشيعي بارز عليها .وإن هذا ديدن رواة الشيعة ومفسريهم الذين يروون الروايات المماثلة في سياق آيات كثيرة جدا بسبيل تأييد أهوائهم دون أسناد صحيحة ووثيقة ودون مبالاة بعدم التساوق الذي يكون ظاهرا بكل قوة بين الروايات والآيات نصا وروحا وسياقا على ما سوف ننبه عليه في مناسباته .ويلحظ هذا في الروايات المروية هنا .فالآيات في صدد جميع أهل الجنة وجميع أهل النار .ومع ذلك فهي تحصر الموقف على محبي علي وأبنائه وذريته ومبغضيهم وتجعل الجنة والنار رهنا به وتجعل عليا وبعض ذريته أصحاب القول الفصل فمن أحبهم أدخلوه الجنة ومن أبغضهم أدخلوه النار !وننبه على أن الطبرسي من أكثرهم اعتدالا ...