قوله تعالى:{وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون 46 وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} .
ذلك إخبار من الله عن هيئة الجنة والنار ،وما فيها من ظالمين ومجرمين وفجار ،فيقول سبحانه:{وبينهما حجاب} أي بين الجنة والبار سور أو حاجز فلا تلتقيان أو تجتمعان .
قوله:{وعلى الأعراف رجال} الأعراف جمع عرف وهو أعلى الشيء أو أعلى موضع فيه .والمراد بالأعراف هنا شرفات السور المضروب بين الجنة والنار ؛قال بان عباس: الأعراف هو الشيء المشرف .ومنه عرف الفرس وعرف الديك ؛وهو أعلاه{[1408]} .
أما الرجال على الأعراف: فقد اختلف فيهم العلماء .فقد قيل: هم الشهداء .وقيل: هم صالحون فقهاء علماء .والقول الراجح في ذلك أنهم قوم من بني آدم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجعلوا هنالك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة .وهو قول كثير من أهل العلم فيهم ابن عباس وابن مسعود وحذيفة ابن اليمان وغيرهم .ويحقق هذا القول حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات ،فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة{[1409]} دخل الجنة ،ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار ) قيل: يا رسول الله ،فمن استوت حسناته وسيئاته ؟قال: ( أولئك أصحاب الأعراف ؛لم يدخلوها وهم يطمعون ) .قوله:{يعرفون كلا بسيماهم} جملة فعلية في موضع رفع صفة لرجال{[1410]} ؛أي يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار{بسيماهم} أي بعلاماتهم الدالة على حقيقتهم والتي جعلها الله على وجوههم فيعرفون منها كبياض الوجوه لدى أهل الجنة وسوادها لدى أهل النار والعياذ بالله من النار وعذابها .أما السيما فهي العلامة .وكذا السمية والسيمياء بالكسر ،والسومة بالضم بمعنى العلامة{[1411]} .
قوله:{ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم} أي نادى أصحاب العراف وهم الموقوفون على مشارف السور ،نادوا أصحاب الجنة ؛إذ عرفوهم من سيماهم ؛
وهي علامة الإشراق والوضاءة على وجوههم قائلين لهم: سلام عليكم .وذلك من باب التحية والدعاء لهم .أو أنكم نجوتم من العذاب وفزتم بالجنة فهنيئا لكم .
قوله:{لم يدخلوها وهم يطمعون} هم ،مبتدأ .ويطمعون جملة فعلية في محل رفع خبر المبتدأ .والمبتدأ وخبره في محل نصب على الحال من ضمير{يدخلوها} فيكون المعنى على هذا: أن أصحاب الأعراف كانوا يائسين من دخول الجنة ؛إذ لم يكن لهم طمع في الدخول ،لكنهم دخلوا وهم على يأس من ذلك .
وقيل: لم يدخلوها بعد ولكنهم يطمعون في الدخول .وعلى هذا الوجه لا يكون للجملة موضع من الإعراب{[1412]} .