المفردات:
بينهما حجاب: حاجز وهو سور بينهما .
وعلى الأعراف: أي: أعراف الحجاب ،أي: أعاليه ،جمع عرف مستعار من عرف الفرس: وقيل: العرف ما ارتفع من الشيء .
رجال: أي: طائفة من الموجودين قصروا في العمل فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم .
بسيماهم: بعلامتهم المميزة .
التفسير:
وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ..الآية .
والمعنى: بين أهل الجنة والنار حاجز سميك ،يعزل كل فريق عن الآخر عزلة كاملة ،لا ينفذ منها شيء من نعيم الجنة إلى أصحاب النار ،كما لا ينفذ منها شيء من عذاب جهنم ولفحها إلى أهل الجنة ،ولكنهم مع هذا بمرأى ومسمع من بعض .
أصحاب العراف:
الأعراف في اللغة: المكان المرتفع ،ومنه: عرف الديك الذي هو أعلى شيء فيه ،ومنه: المعرفة بالشيء حيث تكشفه وتستولي على حقيقته .
وأصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم .
فلم تكثر حسناتهم ليدخلوا الجنة ،ولم تكثر سيئاتهم ليدخلوا النار .
فهم في منزلة بين المنزلتين .يشاهدون أصحاب الجنة وما يتقلبون فيه من النعيم ،ويتمنون أن يكونوا مثلهم .
ويشاهدون أصحاب النار وما يتقبلون فيه من الجحيم ،ويدعون الله ألا يكونوا معهم .
وهم أشبه بالنظارة والمشاهدين الذين يشجعون الفريق الفائز في مباراة أو مناظرة ،وهناك آراء كثيرة في أصحاب الأعراف .
قال الشوكاني: وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف .
فقيل: هم الشهداء ،وقيل: هم فضلاء المؤمنين ،فرغوا من شغل أنفسهم ،وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس ،ذكره مجاهد .
وقيل: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ،قد قصرت بهم أعمالهم عن دخول الجنة ،ثم يدخلون الجنة بفضل الله ورحمته ،وهم آخر من يدخلها ،وقيل: هم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ( 50 )
وعلى العراف رجال يعرفون كلا بسيماهم .
والمعنى: أن رجال الأعراف على شرفات عالية ،يعرفون كل فريق من أهل الجنة وأهل النار بعلامتهم المميزة ،فأهل الجنة من علاماتهم بياض الوجوه ونعيمها ،وإشراق الأمن والسلامة والرضا عليهم .
وأهل النار سود الوجوه ،على وجوههم غبرة ترهقها قترة ،قد استولى عليهم الكرب والفزع ،واشتد بهم البلاء .
قال تعالى: وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولئك هم الكفرة الفجرة .( عبس: 38 – 42 ) .
ويلا حظ أن البياض هنا كناية عن النعيم ،والسواد كناية عن الحزن والجحيم ،وليس في هذا ميزة لأبيض على أسود في الدنيا ؛( لأن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) ( 51 ) .
وفي محاورة بين أبيض وأسود قال الأسود:
ألم تر أن سواد المسك لا شيء مثله وأن بياض اللفت حمل بدرهم
وأن سواد العين لا شك نورها وأن بياض العين لا شيء فاعلم
فقال الأبيض:
ألم تر أن بياض القمر لا شيء مثلهوأن سواد الفحم حمل بدرهم
وأن رجال الله بيض وجوههم وأن سود الوجوه مأواهم جهنم
وهي كما ترى مماحكات لفظية ؛لأن سود الوجوه في الدنيا إذا عملوا أعمالا صالحة ،ابيضت وجوههم يوم القيامة ،وبيض الوجوه إذا علموا أعمالا سيئة اسودت وجوههم يوم القيامة ،فالسواد والبياض من أثر العمل الصالح أو السيء والمنزلة السامية أو الهابطة في الآخرة .
وقد تحدث القرآن عن المنافقين فقال: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ...( المنافقون: 4 ) .
وقال تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ..( التوبة: 55 ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: كم من وجه صبيح ،وجسم مليح ،ولسان فصيح ،غدا بين أحشاء النار يصيح )
وقال: صلى الله عليه وآله وسلم: ( رب أشعت أغبر ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ) ( 52 ) .
ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم .
أي: نادى رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم بالتحية والتكريم والتشجيع فقالوا: سلام عليكم وتعجب أهل الجنة من هؤلاء الذين يقدمون لهم التحية والتكريم ،وهم في مرحلة عالية فاصلة ،من هم ؟!
فأجاب الحق سبحانه:
لم يدخلوها وهم يطمعون .
أي: لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف ،ولكنهم يطمعون في دخولها ؛لما يرون في فضل الله ورحمته على أهل الجنة ،وأن الله تعالى تغلب رحمته غضبه ،وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال لأصحاب الأعراف: أنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم ) ( 53 ) .