{ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين( 50 ) الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون( 51 ) ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون( 52 ) هل ينظرون1 إلا تأويله يومي يأتي تأويله2 يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون( 53 )} [ 50-53] .
الآيات معطوفة على ما سبقها واستمرار للسياق كما هو المتبادر .وفيها مشهد مما سوف يكون دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .وتعقيب تبكيتي للكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا واغتروا بالحياة الدنيا .برغم ما جاءهم من كتاب فيه الهدى والرحمة لمن حسنت نيته وآمن .ثم صورة لما سيكون من ندمهم واعترافهم وتمنيهم الرجوع ويأسهم من شفعائهم .وهي قوية لاذعة .
ونقول هنا ما قلناه في صدد الآيات السابقة: إن من الواجب الإيمان بما احتوته من مشهد .وإن من المتبادر أن من الحكمة المتوخاة فيها إثارة الفزع والخوف والندم في السامعين الكفار وحملهم على الارعواء قبل أن تصدمهم حقيقة الآخرة ومصيرهم الرهيب فيها ويندموا ،ولات ساعة مندم .وقد جاءت مطلقة لتكون مستمرة المدى والتلقين .
والآية [ 51] بخاصة احتوت تلقينا جليلا بتقبيح الذين يتخذون الدين هزؤا ولعب ويغترون بما يكونون عليه من مال وقوة في الحياة ؛فيسوقهم هذا إلى عدم المبالاة بالعواقب واقتراف الإثم والبغي والاستكبار وعدم الانصياع إلى دعوة الحق وكلمة الحق .
والآية [ 52] وهي تقرر أن كتاب الله هو رحمة وهدى للمؤمنين تقرر ضمنا أن الاستكبار عن دعوة الله وجحودها إنما يأتيان من أناس خبثت نواياهم وساءت طواياهم ،وتغلب الهوى والعناد عليهم فأعميا بصائرهم ،وأن هؤلاء هم الذين لا يرون في كتاب الله الهدى وطريق الحق ،في حين أن الذين طابت سرائرهم ورغبوا في الحق وبرئوا من الهوى والعناد يؤمنون ويرون في كتاب الله رحمة وهدى .وفي هذا وذاك تنديد بالكافرين من جهة وتنويه بالمؤمنين من جهة وعزوا الاهتداء والضلال لحسن النية وصدق الرغبة وخبث الطوية وتغلب الهوى وكونهما مظهرا لذلك من جهة أخرى .وفي هذا ما فيه من التلقين المستمر المدى .
هذا ،ولقد قال المفسرون في جملة{فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا}: إن الله لا يشذ عنه شيء ولا يتصف بالنسيان ،وإن المقصد أن الله يعاملهم كالمنسي أو يتركهم في العذاب لا يسمع لهم استغاثة ولا يتداركهم برحمة .ومع وجاهة هذا التخريج فيمكن أن يقال أيضا: إن العبارة أسلوبية لمقابلة العمل بمثله مما تكرر كثيرا ومنه{ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} [ آل عمران: 54] .