قوله تعالى:{و نادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين 50 الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسو لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون} .
بعد أن يستقر المؤمنون في الجنة ،والكافرون والظالمون في النار يخبر الله عن حال هؤلاء من التعس والويل والبلاء .وما يجدونه في النار من النكال والاغتنام والاستحسار ما يعجز القلم والكلمات عن وصفه إلا كلمات الله في كتابه الحكيم ؛إذ تصف فظاعة التنكيل بالكافرين المجرمين العتاة ،ومن جملته: ذلك العطاش الشديد الذي يحرق القلوب والأكباد حرقا ،وكذا الجوع الأليم اللسع الذي يدفع الظالمين للمجرمين إلى الاستغاثة بأهل الجنة قائلين في كرب وهوان{أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} أفيضوا أي أسيلوا أو صبوا{[1416]} ؛فهم يستغيثونهم أن يصبوا عليهم شيئا من الماء ليطفئوا به ظمأهم الحران ،ويسكنوا عطاش قلوبهم الظامئة الحرى{أو مما رزقكم الله} أي من خيرات الجنة مما فيها من الطعام والثمرات ؛فهم بذلك يستسقونهم ويستطعمونهم وهم يعانون من حر جهنم واستحرار لهيبها ما يجل عن البيان أو الصوف ،إنهم ينادونهم بذلك رجاء منهم أن يستجيبوا لهم فيفيضوا عليهم مما سألوه لكنهم لم يستبقوا لهم في قلوب المؤمنين رأفة بهم ولا يستحقون من الله شيئا من رحمته وإحسانه .لا يستحقون في هذه الحال البئيسة الرهيبة غير الصدود والامتناع من غوثهم .وهو قوله سبحانه:{قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} أجابوهم بمنعهم مما طلبوه وهو الطعام والشراب ؛فقد حرموا من ذلك ومن كل وجوه الرزق والنعمة يوم القيامة فلا يستحقون من الجزاء حينئذ إلا النار بما أسلفوه من الكفران والعصيان والصد عن سبيل الله وتحريض الظالمين والمشركين والمتربصين على المسلمين ،فضلا عن استسخارهم بدين الله والاستهزاء به ،فقال سبحانه:{الذين اتخذوا دينهم لهو ولعبا}