فإنك كما ترى أهل الأعراف لم يدخلوا الجنة ، وهم يطمعون فيها ومع ذلك كان فيهم ذلك التوبيخ والتنديد بالعصاة{ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} .
انتهت المجاوبة التي كانت بين أهل الأعراف وأصحاب الجنة التي لم يدخلوها ، وكانوا يطمعون فيها ، وهي دلت على أن الأعمال هي التي تدخل الجنة ، وأن التقاصر عنها هو الذي يدخل غيرها .
وإن أهل النار كانوا في شقاء ، فعند أهل الجنة ما يشتاهون من لحم ، وعسل مصفى ، وحور عين ، وأنهار تجري . . . . . . . . . . أما أهل النار ففي حرمان مطلق من كل هذا ، ولقد صورهم القرآن الكريم يتقدمون طالبين الماء وبعض هذه الخيرات ؛ ولذا قال تعالى:{ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء} نادوهم مستصرخين من شدة العطش ، حرارة النار{ أن أفيضوا} ، ( أن ) هنا تفسيرية ؛ لأن المطلوب هو إفاضة الماء ، فكان المعنى نادوهم:أفيضوا علينا الماء .
وإفاضة الماء التوسعة في إعطائه ، ويبدو أن أهل الجنة كانوا في مرتفع تجري فيه الأنهار والعيون ، وأهل النار في منحدر والماء يفيض من الأعلى إلى الأدنى ، والمعنى لا يمنعونه بسدود ، حتى يفيض عليهم مدرارا ، وينهمر أنهارا .
والماء أهم شيء للأحياء ، والصدقة به أبر الصدقات ، وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أبر الصدقات فقال:الماء ، وهل معنى هذا أن أهل النار كانوا محرومين من الماء حرمانا مطلقا ؟ نقول لا ، بل كان عندهم ، ولكنه حميم ، وغساق يمزق الأحشاء فلم يكن عندهم النمير العذب الذي تجري به الأنهار وتنضج به العيون .
نادوهم ، وفيهم آباء لمن ينادونهم ، وأخلاء في الدنيا ، ولكن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ، فهي قطيعة بين أهل النعيم وأهل الجحيم قطعوها في الدنيا ، فسجل الله تعالى عليهم ذلك في الآخرة .
ولقد طلبوا مع الماء شيئا مما هو عند أهل الجنة من طعام شهي ، وفاكهة ورمان ولذا قالوا:{ أو مما رزقكم الله} أي أعطاكم من خيرات من لبن سائغ للشاربين ، وعسل مصفى ، وخمر لا غول فيها ولا يصدعون منها ، طلبوا هذا ، ولكن ذلك حرام عليهم ؛ ولذا أجاب أهل الجنة وقالوا:{ إن الله حرمها على الكافرين} .
قال أهل الجنة معتذرين عن عدم الإجابة ، أو مقررين الوقائع التي غابت عن أهل النار تحت تأثير العطش الشديد ، والحاجة الملحة إلى الطعام ، وهو أن ذلك جزاء الله تعالى ، ووعده الذي وعدهم به وإن الله لا يخلف الميعاد ، قالوا لهم:{ إن الله حرمها على الكافرين} ذلك أن لكل نصيبه وجزاءه ، وحسبكم ما تمتعتم به في الدنيا آثمين ظالمين كافرين بالحق مستكبرين عن اتباعه مكذبين لدعاته .
والتعبير بالكافرين إشارة إلى أن سبب الحرمان هو الكفر ، ولا خلاص لكم مما كتب عليكم بأعمالكم .