الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ( 51 ) وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 52 ) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ( 53 )
هذا بيان للكافرين وأعمالهم في الدنيا ، وقد ذكر – سبحانه وتعالى – ما ينزل بهم في الآخرة ، وأنهم في شقاء جهنم يطلبون الماء العذب فلا يجدونه ، بل يجدون حميما وغساقا ، ويطلبون الطعام ، فلا يجدون إلا شجرة الزقوم .
وقد ذكر – سبحانه وتعالى – حالهم في الدنيا ليبين عدالة ما يستحقون في الآخرة ، وأنه جزاء ما كسبوا . ذكر الله تعالى لهم وصفين خطيرين كانا السبب فيما ينالهم في الآخرة:
أولهما –أنهم اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ، ودينهم هو ما خوطبوا به من الرسل الذين أرسلوا إليهم ، إذ هو الدين الذي طلبوا بالقيام بحقه ، فأعرضوا عنه ، واتخذوه لهوا وهو ما يلهيهم عن الحق ، ويموهون به الباطل ، ويتعابثون به على الرسل وأتباعهم وازدرائهم ، وقالوا هم أراذلنا ، فكل هذا ألهاهم عن الحق ، ولم يفكروا أن الدلائل الموصلة بل فكروا في أهواء ضالة . واللعب هو الأعمال العابثة التي لم يكن لها حد مقصود بل ترفع إليه أهواء جامحة كشربهم الخمر ولعبهم بالميسر ، واتخاذهم القيان ( 1 ){[1109]} ، وانغمكاسهم في حياة عابثة .
ثانيهما – أنهم غرتهم الحياة الدنيا بزخرفها ، وشهواتها ، وما ينالون منها ، وظنوها الحياة التي لا حياة بعدها ، فاغترارهم بهذه الحياة جعلتهم ينكرون البعث ، ويقولون:{. . . . . . . . . أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد . . . . . . . . . . ( 5 )} ( الرعد ) .
ولقد كانوا يتهكمون على هذه العقيدة ، ويقولون متهكمين لاعبين:أرجع آباءنا ، أرجع قصيا ؛ فإنه رجل خير . . . . . . . . . . . وهكذا كانوا يعبثون بالحقائق ؛ وذلك لأنهم قوم ماديون ، لا يؤمنون بالغيب ، ولا يؤمنون إلا بما يرون ويحسون . وقد نسوا الله تعالى ، ونسوا مقدرته في هذا الوجود ، فكان أن تركهم كما تركوه .
ولذا قال تعالى:{ فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كنوا بآياتنا يجحدون .
النسيان على الله تعالى لا يجوز ؛ لأنه – سبحانه وتعالى – لا يغفل عن شيء قل أو جل ، وكل شيء عنده في كتاب أحصاه لا يتخلف عن علمه شيء ، وأريد بالنسيان لازمه ، وهو الترك بل بعض علماء اللغة يقول:إن الأصل في معنى النسيان هو الترك ، والمعنى في قوله تعالى:{ فاليوم} الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت نتركهم في جهنم يريدون الماء فلا يجدونه إلا في حميم ، ويطلبون الطعام ، فلا يذوقون إلا طعام الزقوم .
وقد ذكر – سبحانه وتعالى – أن ذلك في مقابل أمرين أو عقاب لأمرين:
أولهما – أنهم نسوا لقاء يومهم مع كثرة النذر ، ومع إرسال الرسل ، ومع أنه يوجبه منطق الحياة ، وأن الله تعالى لم يخلق الإنسان سدى ، يأكل ويلعب كالحيوان ، إنما هو مخلوق مدرك ، وأن الدنيا فيها الخير والشر ، وأنه لابد للخير من أن ينتصر ، ولابد للشر من أن ينهزم ، وأنه يتناسب مع علو مكانة الإنسان في هذه الأرض .
ثانيهما – ما كانوا بآياتنا يجحدون ( ما ) هنا على تقدير الكاف ، وهي معطوفة على قوله تعالى:{ كما نسوا لقاء يومهم هذا} ، أي أن الله تعالى نسيهم ، كما نسوا لقاء يوهم هذا ، وكما كانوا بآياتنا يجحدون ، وجحود الآيات إنكار ما تدل عليه من دلائل التوحيد ، ومعاندتهم لله تعالى ، وتكذيبهم لأنبيائه ، فكان نسيان الله تعالى لهم وتركهم في جهنم يصلونها ، من مقابل نسيانهم ، وجزاء لجحودهم .
والله على كل شيء قدير .