قد تقدّم القول في معنى اتّخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرّتهم الحياة الدّنيا عند قوله تعالى:{ وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا} في سورة الأنعام ( 70 ) .
وظاهر النّظم أنّ قوله:{ الذين اتخذوا دينهم} إلى قوله الحياة الدنيا هو من حكاية كلام أهل الجنّة ،فيكون:{ اتخذوا دينهم لهواً} إلخ صفة للكافرين .
وجُوز أن يكون:{ الذين اتخذوا دينهم لهواً} مبتدأً على أنّه من كلام الله تعالى ،وهو يفضي إلى جعل الفاء في قوله:{ فاليوم ننساهم} داخلة على خبر المبتدأ لتشبيه اسم الموصول بأسماء الشّرط ،كقوله تعالى:{ واللذان يأتيانها منكم فآذوهما}[ النساء: 16] وقد جُعلَ قوله:{ الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً} إلى قوله وماكانوا بآياتنا يجحدون آية واحدة في ترقيم أعداد آي المصاحف وليس بمتعيّن .
{ فاليوم ننساهم كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بآياتنا يَجْحَدُونَ} .
اعتراض حكي به كلام يُعْلَن به ،من جانب الله تعالى ،يَسمعه الفريقان .وتغيير أسلوب الكلام هو القرينة على اختلاف المتكلّم ،وهذا الأليق بما رجحناه من جعل قوله:{ الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً} إلى آخره حكاية لكلام أصحاب الجنّة .
والفاء للتّفريع على قول أصحاب الجنّة:{ إنّ الله حرّمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً} الآية ،وهذا العطف بالفاء من قبيل ما يسمّى بعطف التّلقين الممثَّل له غالباً بمعطوف بالواو فهو عطف كلام .متكلّم على كلام متكلّم آخَر ،وتقدير الكلام: قال الله{ فاليوم ننساهم} ،فحذف فعل القول ،وهذا تصديق لأصحاب الجنّة ،ومَن جعلوا قوله:{ الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً} كلاماً مستأنفاً من قِبل الله تعالى تكون الفاء عندهم تفريعاً في كلام واحد .
والنّسيان في الموضعين مستعمل مجازاً في الإهمال والتّرك لأنّه من لوازم النّسيان ،فإنّهم لم يكونوا في الدّنيا ناسين لقاء يوم القيامة ،فقد كانوا يذكرونه ويتحدّثون عنه حديثَ من لا يصِدّق بوقوعه .
وتعليق الظّرف بفعل:{ ننساهم} لإظهار أنّ حرمانهم من الرّحمة كان في أشدّ أوقات احتياجهم إليها .فكان لذكر اليوم أثرٌ في إثارة تحسّرهم وندامتهم ،وذلك عذاب نفساني .
ودلّ معنى كاف التّشبيه في قوله:{ كما نسوا} على أنّ حرمانهم من رحمة الله كان مماثلاً لإهمالهم التّصديق باللّقاء ،وهي مماثلَة جزاءِ العملِ للعمل ،وهي مماثلة اعتباريّة ،فلذلك يقال: إنّ الكاف في مثله للتّعليل ،كما في قوله تعالى:{ واذكروه كما هداكم}[ البقرة: 198] وإنّما التّعليل معنى يتولّد من استعمال الكاف في التّشبيه الاعتباري ،وليس هذا التّشبيه بمجاز ،ولكنّه حقيقة خفيّة لخفاء وجه الشّبه .
وقوله:{ كما نسوا} ظرف مستقرّ في موضع الصّفة لموصوف محذوف دلّ عليه{ ننساهُم} أي نسياناً كمَا نَسُوا .
و ( مَا ) في:{ كما نسوا} وفي{ وما كانوا} مصدريّة أي كنسيانهم اللّقاء وكجَحْدهم بآيات الله .ومعنى جحد الآيات تقدّم عند قوله تعالى:{ ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} في سورة الأنعام ( 33 ) .