/م50
وذكروا من وصف الكافرين أنهم هم الذين كانوا سبب هذا الحرمان وهو أنهم اتخذوا دينهم أعمالا لا تزكي الأنفس فتكون أهلا لدار الكرامة بل هي إما لهو وهو ما يشغل الإنسان عن الجد والأعمال المفيدة بالتلذذ بما تهوى النفس وإما لعب وهو ما لا تقصد منه فائدة صحيحة كأعمال الأطفال ، وغرتهم الحياة الدنيا فكان كل همهم التمتع بشهواتها ولذاتها حراما كانت أو حلالا لأنها مطلوبة عندهم لذاتها .وأما أهل الجنة فهم الذين سعوا لها سعيها بأعمال الإيمان التي تزكي الأنفس وترقيها فلم يغتروا بالحياة الدنيا .بل كانت الدنيا عندهم مزرعة الآخرة لا مقصودة لذاتها .لذلك كانوا يقصدون بالتمتع بنعم الله فيها الاستعانة بها على ما يرضيه من إقامة الحق وعمل الخير والاستعداد للحياة الأبدية .
ومن أراد التفصيل في هذا الموضوع فليرجع إلى تفسير{ وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين} ( الأنعام 29 ) إلى قوله{ وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} ( الأنعام 32 ) وفيه بحث طويل في اللعب واللهو ونكتة تقديم اللعب على اللهو فيها وفي بعض الآيات وتقديم اللهو على اللعب في سورة الأعراف التي نحن بصدد تفسيرها .وليراجع أيضا تفسير قوله تعالى:{ وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا} ( الأنعام 7 ) وفيه خمسة أوجه في تفسير اتخاذ الدين لعبا ولهوا .
{ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا} هذا من قول الله عز وجل مرتب على ما قبله ترتب المسبب على السبب ، والمراد باليوم يوم الجزاء وهو محدود بالعمل الذي هو الجزاء وإن لم يعرف له مقدار ، والمراد نعاملهم معاملة المنسي الذي لا يفتقده أحد كما جعلوا هذا اليوم منسيا أو كالمنسي بعدم الاستعداد والتزود له ، والظاهر أن الكاف هنا للتعليل كقوله:{ واذكروه كما هداكم} ( البقرة 198 ) أي لهدايته لكم لا للتشبيه على أنه يصح في هذه الجملة على حد المثل:الجزاء من جنس العمل ولكن لا يصح فيما عطف عليه من قوله .
{ وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون} بل يتعين فيه التعليل فنسيان الله لهم المراد به حرمانهم من نعيم الجنة معلول بنسيانهم لقاء يوم الجزاء .إذ المراد به ترك العمل له وبجحودهم بآيات الله الذي هو عبارة عن الكفر بدينه ورفض ما جاءت به رسله ظلما وعلوا ، فينطبق على سائر الآيات الناطقة بأن الجزاء في الدارين على الاعتقاد والعمل جميعا .