ثم يذكر سبحانه وتعالى ما ينزل بهم:{ وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون 46} .
{ إما} هي"إن"الشرطية المدغمة في "ما"و"ما"لتقوية الشرط ، وجاءت بعهد نون التوكيد الثقيلة .
وأن نريك الذي نعدهم من الدنيا في خذلان وإعلاء لكلمة الحق وجعل النصر للمؤمنين ، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الحق هي العليا وضياع سلطانهم وجعل السلطان في بلاد العرب لله ولرسوله ، إن نريك هكذا تكن العزة ، فجواب الشرط محذوف تؤخذ دلالته من الشرط نفسه ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما وعده ربه وما أوعدهم به .
{ أو نتوفينك} هو الغرض الثاني وهو معطوف على الشرط السابق ، أي يتوفاك الله الذي خلقك ونصرك وأعزك{ فإلينا مرجعهم} ، أي إن تحضر النصر على الكافرين جميعا وكان منهم من بقي على كفره أو كان إسلامه على نفاق كالأعراب الذين ارتدوا أوممن لم تبلغهم الدعوة في حياتك ثم بلغهم الإسلام بعد وفاتك{ فإلينا مرجعهم} ، وقدم الجار والمجرور على{ مرجعهم} للإشارة إلى أن لله وحده المرجع والمآب ، وهو الرقيب عليهم في الدنيا والمحاسب لهم في الآخرة ، ينزل العقاب لمن كفر ، والثواب لمن آمن واهتدى وآثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية .
وإن الله شهيد على ما يفعلون ويعطي الثواب والعقاب ؛ ولذا قال تعالى:{ ثم الله شهيد على ما يفعلون} كلمة{ ثم} للترتيب والتراخي ، والترتيب ترتيب معنوي فالله تعالى شهيد على ما فعلوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وما يفعلون بعده ، ولكنه فرق بين رؤية النبي فيما يقع حسا ، وبين ما ينزل بهم إلى علم الله عالم الغيب والشهادة الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض .
والبعد الذي تدل عليه كلمة{ ثم} هو البعد المعنوي بين رؤية الإنسان وشهادة الله تعالى{ الله شهيد}أي عالم علم من يشهد ويرى كرؤيتك المؤكدة ، فهو عالم علم المشاهدة بما يفعلون آنا بعد آن ، أي بما يتجدد في فعلهم وهو سبحانه يحاسبهم عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وإليه المآب .