وإن اتصال الأرض والشمس والقمر يكون منهما الليل والنهار ، كما أن اتصال الشمس بالقمر والأرض يوجد منه نور القمر ، وتوجد منه منازله ويكون منه العلم بعدد السنين والحساب ، وقد بين سبحانه أثر اتصال الشمس بالأرض فقال تعالى:{ إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون6} .
واختلاف اللليل والنهار بمعنى تعاقبهما بأن يكون كل خلفة للآخر ، فالليل يعقب النهار ، والنهار يعقب الليل ، تشرق الشمس على الأرض في دورانها فيكون النهار ، ويكون ذلك الإشراق في جزء من الأرض ، وفي دورانها تخفي الأرض نصفا منها فيكون ليلا وفي النصف الآخر النهار ، وهكذا تتعاقب الأيام والليالي وهكذا النظام الذي ابتدعه منشيء الوجود رب العالمين ، وهناك اختلاف بين الليل والنهار تشير إليه الآية أيضا وهو الاختلاف طولا وقصرا ؛ فأحيانا يطول النهار ويقصر الليل ، وأحيانا يطول الليل ويقصر النهار ، وأحيانا يستويان ؛ وذلك من تحرك الشمس في فلكها وحسب قربها من الأرض قربا نسبيا وبعدها عنها نسبيا ، ويشير سبحانه إلى ذلك في قوله:{ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون40}( يس ) ، فالشمس تدور في فلكها والقمر يدور حول الأرض في فلكها ، والأرض فراش الإنسان مهدما له العلي القدير .
ولقد قال تعالى:{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب 190}( آل عمران ) ، أي العقول المدركة ، وهكذا كان الكون وما يجري فيه من الآيات والنذر ، ولكن ما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون .
ويقول سبحانه وتعالى:{ وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون} هذا توجيه النظر لما في السموات والأرض من نجوم وكواكب .
{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج6 والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج7 تبصرة وذكرى لكل عبد منيب 8 ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد9 والنخل باسقات لها طلع نضيد10 رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج11}( ق ) .
فأشار سبحانه وتعالى إلى الكون في إنشائه وتنوعه وتفاوته وتدبيره وإحكامه وتماسكه وأنه لا فروج بين كواكبه ونجومه وأنها متماسكة بالجاذبية .
{ لآيات لقوم يتقون}هذا اسم إن في قوله تعالى:{ إن في اختلاف الليل النهار}وإن( اللام )لام( التوكيد ) ، والآيات جمع آية ، وهي الأمر الكوني الدال على وحدانية الله وكمال قدرته وإبداع الكون على غير مثال سبق ، وأنه سبحانه منشيء الكون بإرادته .
وهذه الآيات لا يدرك مغزاها وما توحي به إلا القوم المتقون ، الذين امتلأت فلوبهم بالإدراك ومراقبة أنفسهم ، يخافون العواقب ويقدرون الأمور تحت سلطان التقوى ، يعلمون أن الله الواحد الأحد منشيء الكون وحده هو المعبود وحده لا معبود سواه .
وقد ذكر سبحانه من يدركون بأنهم الذين( يعلمون ) ، ومرة أنهم( يؤمنون ) وأخرى أنهم ( يوقنون ) ، ومرة رابعة انهم يتقون وهم الذين يدركون ما تدل عليه الآيات ، ومن لا يدركها ليس عنده علم ولا إيمان ولا يقين ولا تقوى ، وعدم إدراكهم ناشيء عن ظنهم أن الحياة الدنيا هي كل شيء فلا يتدبرون ما بعدها وينكرون البعث ؛ولذا قال تعالى:{ إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون 7أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون8} .