وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب ، 61 قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب62 قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير 63 ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب64 فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب65 فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز66 وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين 67 كأن لم يغنوا ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود68
قال تعالى:
{ وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب61} .
العطف في هذا الموضع على ما سبق في قوله تعالى:{ ولقد أرسلنا نوحا . . .25} .
فالمعنى أن الله سبحانه وتعالى أرسل نوحا ومن بعده هودا وإن لم يتعاقبا ، ومن بعدهما صالحا إلى ثمود .
وكانت دعوته الأولى هي التوحيد ، لب الرسالات السماوية ومجتمعها والمشترك فيها جميعا{ قال يا قوم اعبدوا الله} حق عبادته لا تشركوا معه أحدا ولا حجرا ولذا قال سبحانه في تفسير معنى عبادته{ ما لكم من إله غيره} ثم آخذ يجري على لسان نبيه أسباب الألوهية له ونفيها عن غيره فقال:{ هو أنشأكم من الأرض} أي خلقكم من الطين ،{ واستعمركم فيها} أي جعلكم تعمرونها فتنشؤون فيها المباني والحدائق الغناء ، والسين والتاء في كلمة{ استعمركم} معناها التكليف لعباده أن يعمروها فهو سبحانه مظهرها على ما جعلهم يسخرون السموات والأرض بما قدره تعالى لهم .
ثم يقول صالح{ فاستغفروه} أي اطلبوا غفرانه بأن يستر ما ارتكبتم من ذنوب وينشئكم نشأة طاهرة طيبة ، وبعد الاستغفار توبوا إليه{ ثم توبوا إليه}أي ارجعوا إليه بعد أن بعدتم عنه بالشرك ، وعبر بكلمة{ ثم} للدلالة على بعد حالهم في الانتقال من الاستغفار إلى الرجوع إلى الله تعالى؛ لأن الاستغفار طلب محو الذنوب أو سترها ، وتلك أول خطوة في ترك الكفر والشرك ، وتعلوها مرتبة الاتصال بالله لقبول التوبة ، ولذا قال تعالى على لسان نبيه بعد{ إن ربي قريب مجيب} وهذا إدناء إلى التوبة وتقريب لها ، أي أن الله تعالى في عليائه قريب إلى النفوس التائبة محب للدعاء والرجوع إليه ، وذلك رد على أوهامهم التي يقولون فيها أنهم شفعاؤنا عند الله ، وقولهم ما نعبد إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فصالح يقول لهم:{ إن ربي قريب مجيب} فلا حاجة إلى شفاعة الشافعين ، إن كان يتصور أن يكون في هذه الحجارة شفاعة . وفي قوله تعالى:{ إن ربي قريب مجيب} إشارات بيانية منها تأكيد القول بالجملة الاسمية وبكلمة"إن".
وفيها التعبير{ ربي} وذلك يفيد أنه مربيه ومنشؤه ، ومربيهم ومنشؤهم فكيف لا يكون قريب منهم وهو الحي القيوم في السموات والأرض .
ومنها ذكر كلمة{ مجيب} وفيه إشارة إلى أنه سبحانه هو الذي يدعي فيجيب لا تلك الأحجار التي لا تضر ولا تنفع فلا تجيب دعاء ولا تسمع نداء ، وماذا كانت إجابة قومه إلى تلك الدعوة الحق .