ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين 35 ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين 36 قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون37 واتبع ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون38 يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار 39 ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 40 يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان 41 وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين 46
هبطت الفتنة في نفوس النسوة ، ولكن صداها كان يتردد بين الناس ، وخصوصا النساء ، وقد آمن الملك فحقيقتين:عفة يوسف ، وإغواء امرأته ، وانضم إليها من كن يلمنها ، وتشايع الخبر في المدينة ، فرأوا أن من حسن السياسة أن يسجن يوسف ليبعد عامل الاستهواء ، ولينس الناس هذه السيرة ، وهذا هو قوله تعالى:{ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} أي العزيز ومن معه من أهل مشورته من بعد ما رأوا البينات الدالة على مكرهن وإغوائهن مع التهديد{ ليسجننه حتى حين} أي أكدوا إرادة سجنه حينا .
أي بدا لهم الإصرار على سجنه لمدة معينة ، حتى ينسى الناس حوادث المرأة والنسوة اللاتي انضممن إليها ، وقد أكدن هذا الأمر الذي بدا لهم بالقسم ، ولامه ، ونون التوكيد ، ولكن السجن كان مؤقتا ، وليس مطلقا كما ظهر من كلامهم .
وكان تأكيد السجن ، لأنه لم يكن منطقيا أن يسجن وهو البريء ، ولكن لأنهم وجدوه إطفاء لهذه الشائعة التي هزت مقومات المجتمع ، وأشاعت القول بالفاحشة- عن أكبر سيدة في مصر ، فكان التأكيد بالسجن ليقاوم منطق البراءة الذي يوجب الثناء وطيب الجزاء ، بدل العقاب والإلقاء في غياهب السجن .
حسنت الألفة بين يوسف الحبيب ، ومن معه في السجن ؛ لأنه أليف بفطرته ، ولأن الضعف يقرب ولا يبعد ، ولأن محنة السجن جمعت بينهم ، والمحنة تجمع ، ولا تفرق .
رأى أحدهما أنه يعصر خمرا ، أي يعصر عنبا يكون بعد ذلك خمرا ، فعبر بالخمر باعتبار المآل ، ورأى الآخر أنه يحمل فوق رأسه خبزا ، وتأكل الطير منه .
اقتضى حسن الصحبة ان يلجأ إلى يوسف ، وقد توسما فيه الخير ، فاتجها إليه قائلين: