/م30
{ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} بدا هذه من البداء [ الفتح] لا من البدو المطلق ، أي ثم ظهر لهم من الرأي ما لم يكن ظاهرا من قبل ، ومنه كلمة سيدنا علي البليغة [ فما عدا مما بدا] أي فما عداك وصرفك عما كنت فيه مما بدا لك الآن وكان خفيا عنك قبله ، ولذلك عطفت الجملة بثم التي تفيد الانتقال مما كانوا فيه إلى طور جديد بعد التشاور والتروي في الأمر ، وضمير [ لهم] يرجع إلى أهل دار العزيز وامرأته ومن يعنيه أمرهما كالشاهد الذي شهد عليها من أهلها ، والمراد بالآيات ما شهدوه واختبروه من الدلائل على أن يوسف إنسان غير الأناسي التي عرفوها في عقيدته وإيمانه وأخلاقه من عفة ونزاهة واحتقار للشهوات والزينة والإتراف المتبع في قصور هذه الحضارة ؛ ومن عناية ونزاهة واحتقار للشهوات والزينة والإتراف المتبع في قصور هذه الحضارة ؛ ومن عناية ربه الواحد الأحد به كما يؤمن ويعتقد ، فمن هذه الآيات أن تفنن سيدته في مراودته لم يحدث أدنى تأثير في جذب خلسات نظره ، ولا في خفقات قلبه ، بل ظل معرضا عنها متجاهلا لها ، حتى إذا ما صارحته بكلمة [ هيت لك] اقشعر جلده ، واستعاذ بربه ، رب آبائه الذين يفتخر باتباع ملتهم ، وغيرها بالخيانة لزوجها [ ومنها] إنها لما غضبت وهمت بالبطش به هم بمقاومتها والبطش بها وهي سيدته ، وما منعه من ذلك إلا ما رأى من البرهان في دخيلة نفسه ، مؤيدا لما يعتقده من صرف ربه السوء والفحشاء عنه .
[ ومنها] إنها لما تهمته بالتعدي عليها وأرادوا التحقيق في المسألة شهد شاهد من أهلها هو جدير بالدفاع عنها ، بما تضمن الحكم عليها بأنها كاذبة في اتهامه إياه بإرادة السوء بها ، وأنه صادق فيما ادعاه من مراودتها إياه عن نفسه [ ومنها] مسألة انتشار خبرها معه وخوض نساء المدينة في افتتانها به وإذلال نفسها ببذلها له مع إعراضه عنها [ ومنها] مسألة أمكر هؤلاء النسوة وأعمقهن كيدا معه .إذ حاولن رؤيته وتواطأن عن مراودته ، ودهشتهن مما شاهدن من جماله ، حتى قطعن أيديهن وهن لا يشعرن .فجميع هذه الآيات تثبت أن بقاءه في هذه الدار بين ربتها وصديقاتها من هؤلاء النسوة مثار فتنة للنساء لا تدرك غايتها ، وأن الحكمة والصواب في أمرها هو تنفيذ رأيها الأول في سجنه- وإن كانت سيئة النية ماكرة فيه- لإخفاء ذكره ، وكف ألسنة الناس عنها في أمره ، فأقسموا .
{ ليسجننه حتى حين} أي إلى أجل غير معين حتى يكونوا مطلقي الحرية في طول مكثه وقصره وإخراجه ، ويروا ما يكون من تأثير السجن فيه وحديث الناس عنه .وهذا القرار يدل على أن هذه المرأة كانت مالكة لقياد زوجها الوزير الكبير تقوده بقرنين كيف شاء هواها ، وأنه كان فاقدا للغيرة كأمثاله من كبراء صغار الأنفس عبيد الشهوات .وقد أعجبني فيه قول الزمخشري على قلة ما أعجبني من أقوال المفسرين في هذه القصة التي أعجبني فيه قول الزمخشري على قلة ما أعجبني من أقوال المفسرين في هذه القصة التي شوهتها عليهم الروايات الإسرائيلية المخترعة والعناية بإعرابها .قال في تفسير ما رأوا من الآيات:وهي الشواهد على براءته ، وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها ، وفلتها منه في الذروة والغارب{[1792]} وكان مطواعة لها ، وجملا ذلولا زمامه في يدها ، حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات ، وعمل برأيها في سجنه لإلحاق الصغار به كما أوعدته ، وذلك لما أيست من طاعته ، وطمعت في أن يذلله السجن ويسخره لها اه .
وجملة القول في هذه الحادثة أن يوسف عليه السلام كان أكمل مثل للعفة والصيانة والأمانة من أولها إلى آخرها ، وهي في سفر التكوين ناقصة ومخالفة لما هنا في دعوى المرأة ، والله أعلم من مؤلف سفر التكوين المجهول بما كان وبما ينفع الناس{[1793]} .