{ فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا} ،{ أن} مؤكدة لمجيء البشير ، وقد سمي بشيرا ، لأنه بشر يعقوب عليه السلام بوجود ابنه ، وقرب لقائه ، ولأنه معه ما يرد البصير إليه ، وبمجرد مجيئه ألقاه على وجهه ،و{ أن} كما أكدت الشرط ، وهو مجيء البشير ، أكدت أيضا ترتيب الجواب على الشرط ، ألقاه فور مجيئه ،{ فارتد بصيرا} ، الفاء للعطف مع الفورية ، وتلك خارقة للعادة كما أشرنا من قبل ، وقد بين يعقوب بعد ذلك أنه لم يكن واهما ، ولا ضالا عندما كان يقول لهم:{ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} وعندما كان يذكر لهم ما أعلمه الله تعالى ، لذا{ قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون} الاستفهام لإنكار الوقوع مع التنبيه الشديد ، داخل على النفي ونفى النفي إثبات ، والمعنى قد علمتم أني أعلم من الله ما لا تعلمونه أنتم .
عندئذ أحسوا بجريمتهم الشديدة نحو أبيهم ، إذ حرموه من ابنه سنين طوالا ، وتركوه فريسة الشوق والحزن والأسى والبكاء مع الصبر الجميل من غير أنين لأحد من العباد ، فاتجهوا إلى أبيهم يطلبون أن يستغفر لهم ربه