{ ويسبح الرعد بحمده} .
للمفسرين اتجاهان في هذا:
الاتجاه الأول:أنه يفسر الرعد بمن يسمعه ، فالتسبيح ليس تسبيح الرعد ولكن تسبيح من يسمعه ؛ لأنه يكون خائفا فزعا ، كما يكون الفزع من كل صوت مزعج ، فيجعله الخوف والفزع في حال إدراك لقوة منشئه كما تكون النفس عند رؤية أي أمر مزعج .
والاتجاه الثاني:أن الرعد ذاته يكون في حال تسبيح الله تعالى وحده ؛ لأن هذا الصوت المزعج الرهيب المفزع يكون خاضعا لله تعالى ، دالا على توحيده ، وعلى كمال سلطانه ، فكل شيء يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم .
وإني أميل إلى الاتجاه الثاني؛ لأنه يتفق مع النسق القرآني ، إذ إن النسق القرآني يبين خضوع الكون ومظاهره لله تعالى مسبحا بحمده ، وهي تدل على الباعث على هذا التسبيح ، وهو حمده على نعمة إيجاده ، وكمال خضوعه .
وقوله تعالى:{ والملائكة من خيفته}
أي من خوفه سبحانه ، و( خيفة ) فعلة بكسر الفاء ، وهي هيئة الخوف ، أي هيئة الخوف الرهيب من الله تعالى ، فلا يدرك عظمة الله القوي الجبار إلا من يكون قريبا منه سبحانه وتعالى . ومع تسبيح الرعد بهزيمه ، والملائكة الأبرار بخيفتهم من الله ، ينزل الله تعالى الصواعق وهي من احتراق البرق ، فالبرق يحدث معه الرعد ، وأحيانا يكون السحابتين السالبة والموجبة محدثة شرارا ينزل على الأرض فيحرق ما يصيبه ومن تصيبه ؛ ولذا قال تعالى:{ ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء}ومع هذا البرق الخاطف للأبصار الذي يرونه ويفزعون له ، ويرجون المطر منه ، وهزيم الرعد الذي يسبح لله تعالى ، وتسبح الملائكة من خيفته ، وإرسال الصواعق الحارقة مع رؤيتهم هذه الظاهرة الدالة على القدرة القاهرة ، والإبداع الباهر يجادل المشركون في الله ؛ ولذا قال تعالى:{ وهم يجادلون في الله} يجادلون في قدرة الله تعالى على إعادتهم في البعث ، كما بدأهم ، ويجادلون في الله فيحسبون أن الاحجار تعبد لانها تكون شفيعهم عنده ويجادلون في قدرتها فيحسبون ان لها قدرة مع قدرته سبحانه وتعالى ، وغير ذلك من الأوهام الفاسدة التي يثيرونها حول الذات العلية ، والجدل من جدل الحبل إذا فتله فتلا شديدا ليحمل به الأشياء الثقيلة ، ويشد عليها ، واستعمالها هنا بمعنى فتل الحجة الباطلة يريدون أن يعتمدوا تفكيرهم الفاسد ، ووهمهم الباطل عليها ،{. . . .وكان الإنسان أكثر شيء جدلا54}( الكهف ) .
ولقد ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك أن جدلهم في هباء أمام قدرة الله تعالى ، فقال سبحانه وتعالى:{ وهو شديد المحال} الضمير في{ وهو} يعود إلى الله تعالى ، والمحال:قال الأزهري:إنه القوة والشدة ، ويقال:ما حلت فلانا أي قاومته حتى يتبين أينا أقوى ، ومحال فعال من المماحلة ، أي أنه لا يغالبه في الوجود أحد فهو أقوى من كل الوجود ، ومع ذلك يجعلون ذاته الكريمة موضع جدال . ولكنه الضلال الذي أوجد غمة على العقول فلا تدرك الحق المبين الواضح الذي قامت فيه الدلائل على قوته القاهرة .
ويجادلون في الله بأوهام توهموها ؛ ولذا بين سبحانه وتعالى أن دعوة الله هي الحق ودعوة أندادهم هي الباطلة ، فقال تعالى:{ له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغه فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال14} .