قوله:{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} أي أن الرعد نفسه يسبح بحمد الله وهو قوله: سبحان الله والحمد لله ؛فهو بذلك متلبس نفسه بالتسبيح .ولا عجب في ذلك فكل شيء في الكون يسبح بحمد الله ،لقوله سبحانه:{وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وكذلك الملائكة تسبح بحمد الله خوفا من جلاله وعظيم جبروته .وكذلك يندب للمؤمنين في الأرض أن يسبحوا بحمد ربهم لدى سماعهم الرعد ؛فقد روي أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تأخذ الصاعقة ذكرا لله عز وجل ) .
وقال أبو هريرة ( رضي الله عنه ): كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد يقول: ( سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير ) .فقال أو هريرة: فغن أصابته صاعقة فعلي ديته .
وروي الطبري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله ؛فإنه لا يصب ذاكرا ) .
وروي الإمام أحمد عن سالم عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: ( اللهم لا تقتلنا بغضبك ،ولا تهلكنا بعذابك ،وعافنا قبل ذلك ) .
قوله:{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء} أي يعذب الله بهذه الصواعق من شاء تعذيبه من الجاحدين المعاندين الذين يحادون الله ورسوله ،ويجاهرون بالكفر والضلال في قواحة خبيثة ولؤم صارخ ،وقد قيل في سبب نزول هذه الآية أن أربد أخا لبيد ربيعة العامري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه مع عامر بن الطفيل قاصدين قتله: قال أربد: وهو يجادله بالباطل: أخبرنا عن ربنا أمن نحاس هو أم من حديد ؟فرمى الله عامرا بغدة البعير وموت في بيت سلولي .وأرسل على أربد صاعقة فقتلته{[2330]} .
قوله:{وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ} الواو للاستئناف .والمراد بالمجادلين: هم الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛إذ يجادلون في الله فينكرون قدرته على البعث وإحياء الخلائق من جديد ويكذبون الوحدانية باتخاذ الأنداد والشركاء ،على غير ذلك من وجوه الجدال بالباطل .وقيل: الواو للحال ؛أي يصيب بالصواعق من يشاء في حال جدالهم بالباطل والمقصود أربد وعامر .
وقيل: نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن ربك من أي شيء هو ؟من لؤلؤ أو من ياقوت ؟فجاءت صاعقة فأخذته ،فانزل الله{ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون} .
قوله:{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} من المحل ،بسكون الحاء ؛أي المكر والكيد .والمماحلة: شدة المماكرة والمكايدة .وتمحل بمعنى احتال فهو محتمل{[2331]} .والمعنى المراد هنا: أن الله شديد المكر والكيد لأعدائه ،يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون .وقيل: شديد القوة ،وقيل: شديد العقوبة ،وقيل: شديد النقمة ،وقيل: شديد المغالبة{[2332]} .