( ويسبح الرعد بحمده ) كما قال تعالى:( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء:44] .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يزيد ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، أخبرني أبي قال:كنت جالسا إلى جنب حميد بن عبد الرحمن في المسجد ، فمر شيخ من بني غفار ، فأرسل إليه حميد ، فلما أقبل قال:يا ابن أخي ، وسع له فيما بيني وبينك ، فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه ، فقال له حميد:ما الحديث الذي حدثتني عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشيخ:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إن الله ينشئ السحاب ، فينطق أحسن النطق ، ويضحك أحسن الضحك ".
والمراد - والله أعلم - أن نطقها الرعد ، وضحكها البرق .
وقال موسى بن عبيدة ، عن سعد بن إبراهيم قال:يبعث الله الغيث ، فلا أحسن منه مضحكا ، ولا آنس منه منطقا ، فضحكه البرق ، ومنطقه الرعد .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي ، عن محمد بن مسلم قال:بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه:وجه إنسان ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، فإذا مصع بذنبه فذاك البرق .
وقال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الحجاج ، حدثني أبو مطر ، عن سالم ، عن أبيه قال:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الرعد والصواعق قال:"اللهم ، لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك ".
ورواه الترمذي ، والبخاري في كتاب الأدب ، والنسائي في اليوم والليلة ، والحاكم في مستدركه ، من حديث الحجاج بن أرطاة ، عن أبي مطر ، ولم يسم به .
وقال [ الإمام] أبو جعفر بن جرير:حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبيه عن رجل ، عن أبي هريرة ، رفع الحديث قال:إنه كان إذا سمع الرعد قال:"سبحان من يسبح الرعد بحمده ".
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال:سبحان من سبحت له .
وكذا روي عن ابن عباس ، والأسود بن يزيد ، وطاوس:أنهم كانوا يقولون كذلك .
وقال الأوزاعي:كان ابن أبي زكريا يقول:من قال حين يسمع الرعد:سبحان الله وبحمده ، لم تصبه صاعقة .
وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال:سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، ويقول:إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض . رواه مالك في الموطأ ، والبخاري في كتاب الأدب .
وقال الإمام أحمد:حدثنا سليمان بن داود الطيالسي ، حدثنا صدقة بن موسى ، حدثنا محمد بن واسع ، عن شتير بن نهار ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"قال ربكم عز وجل:لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل ، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولما أسمعتهم صوت الرعد ".
وقال الطبراني:حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا يحيى بن كثير أبو النضر ، حدثنا عبد الكريم ، حدثنا عطاء ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله ، فإنه لا يصيب ذاكرا ".
وقوله:( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) أي:يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء ، ولهذا تكثر في آخر الزمان ، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا عمارة عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة ، حتى يأتي الرجل القوم فيقول:من صعق تلكم الغداة ؟ فيقولون صعق فلان وفلان وفلان ".
وقد روي في سبب نزولها ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي:
حدثنا إسحاق ، حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني ، حدثنا ثابت ، عن أنس:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا مرة إلى رجل من فراعنة العرب فقال:"اذهب فادعه لي ". قال:فذهب إليه فقال:يدعوك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له:من رسول الله ؟ وما الله ؟ أمن ذهب هو ؟ أم من فضة هو ؟ أم من نحاس هو ؟ قال:فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال:يا رسول الله ، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك ، قال لي كذا وكذا . فقال:"ارجع إليه الثانية ". أراه ، فذهب فقال له مثلها . فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله ، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك . قال:"ارجع إليه فادعه ". فرجع إليه الثالثة . قال:فأعاد عليه ذلك الكلام . فبينا هو يكلمه ، إذ بعث الله ، عز وجل ، سحابة حيال رأسه ، فرعدت ، فوقعت منها صاعقة ، فذهب بقحف رأسه فأنزل الله:( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال )
ورواه ابن جرير ، من حديث علي بن أبي سارة ، به ورواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عبدة بن عبد الله ، عن يزيد بن هارون ، عن ديلم بن غزوان ، عن ثابت ، عن أنس ، فذكر نحوه .
وقال:حدثنا الحسن بن محمد ، حدثنا عفان ، حدثنا أبان بن يزيد ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن عبد الرحمن بن صحار العبدي:أنه بلغه أن نبي الله بعثه إلى جبار يدعوه ، فقال:أرأيتم ربكم ، أذهب هو ؟ أو فضة هو ؟ ألؤلؤ هو ؟ قال:فبينا هو يجادلهم ، إذ بعث الله سحابة فرعدت فأرسل عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه ، ونزلت هذه الآية .
وقال أبو بكر بن عياش ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد قال:جاء يهودي فقال:يا محمد ، أخبرني عن ربك ، [ من أي شيء هو] من نحاس هو ؟ من لؤلؤ ؟ أو ياقوت ؟ قال:فجاءت صاعقة فأخذته ، وأنزل الله:( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء )
وقال قتادة:ذكر لنا أن رجلا أنكر القرآن ، وكذب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل الله صاعقة فأهلكته وأنزل:( ويرسل الصواعق ) الآية .
وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة لما قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر فأبى عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له عامر بن الطفيل ، لعنه الله:أما والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا . فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:يأبى الله عليك ذلك وأبناء قيلة . يعني:الأنصار ، ثم إنهما هما بالفتك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل أحدهما يخاطبه ، والآخر يستل سيفه ليقتله من ورائه ، فحماه الله منهما وعصمه ، فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب ، يجمعان الناس لحربه ، عليه السلام فأرسل الله على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته . وأما عامر بن الطفيل فأرسل الله عليه الطاعون ، فخرجت فيه غدة عظيمة ، فجعل يقول:يا آل عامر ، غدة كغدة البكر ، وموت في بيت سلولية ؟ حتى ماتا لعنهما الله ، وأنزل الله في مثل ذلك:
( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة ، أخو أربد يرثيه:
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد فجعني الرعد والصواعق بال
فارس يوم الكريهة النجد
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني:حدثنا مسعدة بن سعد العطار ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثني عبد العزيز بن عمران ، حدثني عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم ، عن أبيهما ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، أن أربد بن قيس بن جزء بن جليد بن جعفر بن كلاب ، وعامر بن الطفيل بن مالك ، قدما المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فانتهيا إليه وهو جالس ، فجلسا بين يديه ، فقال عامر بن الطفيل:يا محمد ، ما تجعل لي إن أسلمت ؟ فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"لك ما للمسلمين ، وعليك ما عليهم ". قال عامر بن الطفيل:أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك ؟ قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"ليس ذلك لك ولا لقومك ، ولكن لك أعنة الخيل ". قال:أنا الآن في أعنة خيل نجد ، اجعل لي الوبر ولك المدر . قال رسول الله:"لا ". فلما قفلا من عنده قال عامر:أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"يمنعك الله ". فلما خرج أربد وعامر ، قال عامر:يا أربد ، أنا أشغل عنك محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحديث ، فاضربه بالسيف ، فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ، ويكرهوا الحرب ، فنعطيهم الدية . قال أربد:أفعل . فأقبلا راجعين إليه ، فقال عامر:يا محمد ، قم معي أكلمك . فقام معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلسا إلى الجدار ، ووقف معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلمه ، وسل أربد السيف ، فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف ، فلم يستطع سل السيف ، فأبطأ أربد على عامر بالضرب ، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أربد ، وما يصنع ، فانصرف عنهما . فلما خرج عامر وأربد من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كانا بالحرة ، حرة واقم نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا اشخصا يا عدوي الله ، لعنكما الله . فقال عامر:من هذا يا سعد ؟ قال:هذا أسيد بن حضير الكتائب فخرجا حتى إذا كانا بالرقم ، أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته ، وخرج عامر حتى إذا كان بالخريم ، أرسل الله قرحة فأخذته فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول:غدة كغدة الجمل في بيت سلولية ترغب أن يموت في بيتها! ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعا ، فأنزل الله فيهما:( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) إلى قوله:( وما لهم من دونه من وال ) [ الرعد:8 - 11] - قال:المعقبات من أمر الله يحفظون محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر أربد وما قتله به ، فقال:( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) الآية .
وقوله:( وهم يجادلون في الله ) أي:يشكون في عظمته ، وأنه لا إله إلا هو ، ( وهو شديد المحال )
قال ابن جرير:شديدة مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره .
وهذه الآية شبيهة بقوله:( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) [ النمل:50 ، 51] .
وعن علي ، رضي الله عنه:( وهو شديد المحال ) أي:شديد الأخذ . وقال مجاهد:شديد القوة .