المفردات:
ويسبح الرعد بحمده: يخضع الرعد لقدرة الله ونظامه المحكم في هذا الكون فهو يعظم الله ويحمده .
والملائكة من خيفته: من خوف الله عز وجل ورهبته .
ويرسل الصواعق: جمع صاعقة ،وأصل الصاعقة: كل أمر جسيم يؤدي إلى هلاك أو ذهاب عقل أو فقد بعض الجسم .
وهم يجادلون في الله: ذكر: أن رجلا أنكر القرآن ،وكذب النبي صلى الله عليه وسلم ،فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته .
وهو شديد المحال: شديد المماحلة في عقوبة من طغى وعتا عليه ،والمحال مصدر من ما حلت فلانا محالا ؛إذا عرضته لما يهلكه ،وقيل: شديد الأخذ ،شديد القوة .
التفسير:
{ويسبح الرعد بحمده} .أي: يظهر قدرته تعالى وجبروته وتسخيره لجميع ظواهر هذا الكون كقوله تعالى:{وإن من شيء إلا يسبح بحمده ...} .
وكان رسول الله صلى اله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق؛قال: ( اللهم ،لا تقتلنا بغضبك ،ولا تهلكنا بعذابك ،وعافنا قبل ذلك )xviii ،وعن أبي هريرة مرفوعا: أنه كان إذا سمع الرعد قال: سبحان من يسبح الرعد بحمده ،وعن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع الرعد ؛ترك الحديث وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ،ويقول: إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرضxix .
والبرق والرعد والسحاب مشاهد معروفة ،وكذلك الصواعق التي تصاحبها في بعض الأحيان ،وهي بذاتها مشاهد ذات أثر في النفس حتى اليوم ،وعند الذين يعرفون الكثير عن طبيعتها .والسورة تذكر هذه الظواهر متتابعة وتضيف إليها الملائكة والتسبيح والسجود والخوف والطمع ؛لتصوير سلطان الله المتفرد بالقهر والنفع والضرxx .
وقد سميت السورة بسورة الرعد ؛لقوله سبحانه فيها:{ويسبح الرعد بحمده}( الرعد:13 ) .
والرعد هو ذلك الصوت المفرقع المدوي ،وهو أثر من آثار الناموس الكوني الذي صنعه الله أيا كانت طبيعته وأسبابه فهو رجع صنع الله في هذا الكون ،وهو يحمد ويسبح بلسان الحال ،للقدرية التي صاغت هذا النظام ،كما أن كل مصنوع جميل متقن يسبح ويعلن عن حمد الصانع والثناء عليه بما يحمله من جمال وإتقان .
وقد اختار التعبير أن يجعل صوت الرعد تسبيحا للحمد ؛إتباعا لمنهج التصوير القرآني في مثل هذا السياق ،وخلق سمات الحياة وحركاتها على مشاهد الكون الصامتة ؛لتشارك في المشهد كله ،وقد انضم إلى تسبيح الرعد بحمد الله ،تسبيح الملائكة من خوفه ومن تعظيمه ،وفي آية أخرى يقول سبحانه:{والملائكة يسبحون بحمد ربهم} . ( الشورى:5 ) .
وفي الحديث النبوي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( أطت السماء ،وحق لها أن تئط ؛ما فيها موضوع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد يسبح الله تعالى )xxi .
{ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} .أي: يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء .
قال قتادة: ذكر لنا: أن رجلا أنكر القرآن ،وكذب النبي صلى الله عليه وسلم ؛فأرسل الله صاعقة ؛فأهلكته .
وذكروا في سبب نزولها: قصة( عامر بن طفيل ) و( أربد بن ربيعة ) ،لما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،فسألاه: أن يجعل لهما نصف الأمر ؛فأبى عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛فقال له عامر بن الطفيل لعنه الله ،أما والله لأملأنها عليك خيلا جردا ،ورجالا مردا ؛فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:( يأبى الله ذلك وأبناء قيله ) يعني: الأنصار ،ثم إنهما هما بالفتك برسول الله ،فجعل أحدهما يخاطبه ،والآخر يستل سيفه ؛ليقتله من ورائه ،فحماه الله تعالى منهما وعصمه ،فخرجا من المدينة ،فانطلقا في أحياء العرب يجمعان الناس ؛لحربه عليه الصلاة والسلام ،فأرسل الله على ( أربد ) سحابة فيها صاعقة فأحرقته ،وأما ( عامر بن الطفيل ) ،فأرسل الله عليه الطاعون ،فخرجت فيه غدة عظيمة فجعل يقول: يا أهل عامر ،غدة كغدة البعير ،وموت في بيت سلولية ،حتى ماتا لعنهما الله وأنزل الله في مثل ذلك:{ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله} . xxii .
{وهم يجادلون في الله} .أي: يشكون في عظمته وأنه لا إله إلا هو .
{وهو شديد المحال} .قال ابن جرير: شديدة مما حلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره ،وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى:{ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون* فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} . ( النمل:51 ، 50 ) ،وعن عليّ رضي الله عنه:{وهو شديد المحال} .أي: شديد الأخذ ،وقال مجاهد: شديد القوة .