المفردات:
له دعوة الحق: لا إله إلا الله .
والذين يدعون من دونه: يعني: آلهة المشركين .
إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه: أي: كالرجل العطشان يمد يده إلى البئر ؛ليرتفع إليه الماء ،فلا يدركه .
وما هو ببالغه: حتى يموت عطشا ،وهذا مثل ضربه الله لمن يدعو من دونه آلهة لا تضر ولا تنفع .
إلا في ضلال: في غير هدى ولا استقامة .
التفسير:
{له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ...} .
من الدعاء ما يحظى بالإجابة وما يكون دعاء حقا ،وهو دعاء من يملك الإجابة ،أي: دعاء الله جل جلاله ؛فهو سبحانه يسمع الداعي ويستجيب له ،قال تعالى:{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}( البقرة:186 ) .
وقال سبحانه:{ادعوني أستجب لكم} . ( غافر:60 ) .
ومن الدعاء ما يتجه به الداعي إلى الأصنام والنجوم وغيرها من المخلوقات التي لا تملك الإجابة ،فالأصنام لا تسمع وغيرها من الملائكة أو الجن ،أو البشر لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ،ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فكيف بغيرهم ؟!.
{إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} ( فاطر:14 ) .
وهذا القسم من الدعاء جدير بأن يسمى: دعاء الباطل ،وهو الذي لا يهتدي إلى هدف الإجابة كدعاء من لا يسمع أو لا يقدر على الاستجابة .
لقد ذكر الله في الآيات السابقة: أنه عليم بكل شيء ،قدير على كل شيء ،ثم ذكر في هذه الآية: أن له حقيقة الدعاء والاستجابة ؛فهو مجيب الدعاء كما أنه عليم قدير .
وقد ذكر ذلك في الآية بطريقى الإثبات والنفي ،أعني: إثبات حق الدعاء لنفسه وفيه عن غيره .
أما الأول فقوله:
{له دعوة الحق} .وتقديم الظرف يفيد الحصر ،ويؤيده ما بعده من نفيه عن غيره .
وأما الثاني فقوله:
{والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء} .
وقد أخبر فيه: أن الذين يدعوهم المشركون من دون الله لا يستجيبون لهم بشيء ،ثم صورة معبرة تؤكد ضلال من يدعو غير الله وهي صورة ملهوف ظمآن يمد ذراعيه ويبسط كفيه إلى بئر سحيق فيه ماء وفمه مفتوح يلهث بالدعاء ،يطلب الماء ؛ليبلغ فاه فلا يبلغه ،وما هو ببالغه ،بعد الجهد واللهفة والعناء ،وكذلك دعاء الكافرين بالله الواحد ،حين يدعون الشركاء .
{له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} .
فهذا الدعاء للأصنام ليس له من الدعاء إلا صورته كما أن باسط كفيه إلى الماء ليس له إلا صورة الطلب ببسط الكفين ،ولن ينتقل الماء إلى فمه .
ومن هنا نعلم أن هذا الاستثناء:{إلا كباسط كفيه ...} الخ ،لا ينتقض به عموم النفي المستثنى منه ولا يتضمن إلا صورة الاستثناء فهو يفيد: تقوية الحكم في جانب المستثنى منه فإن مفاده: إن الذين يدعون من دون الله لا يستجاب لهم إلا كما يستجاب لباسط كفيه إلى الماء ولن يستجاب له ،وبعبارة أخرى: لن ينالوا بدعائهم إلا عدم الإجابة ،أي: لن ينالوا شيئا البتة .
وهذا من لطيف كلامه تعالىxxiii ،ويناظر من وجه قوله سبحانه:{قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا} . ( الرعد:16 ) .
{وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} .أي: في ضياع وانحراف ،فإن الأصل في الدعاء أن يتوجه به الإنسان إلى من يملك الإجابة وهو الله سبحانه وتعالى:
فمن دعا غير الله ؛فقد ضل دعاؤه وانحرف وضاع ،والضلال: هو الخروج عن الطريق وسلوك مالا يوصل إلى المطلوب .
قال الطبري:{وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} .
وما دعاء من كفر بالله ما يدعو من الأوثان والآلهة إلا في ضلال ،يقول: إلا في غير استقامة ولا هدى ؛لأنه يشرك بالله .