{لَهُ دَعْوَةُ الحق} بما يوحيه إلى رسله من فكرٍ يلتزم به الناس ،وعمل يقومون به ،ومنهج يتبعونه ،ومفاهيم يحملونها ،وشريعةٍ يسيرون عليها على أساس الحق ،دون أن يترك أيّة ثغرةٍ تُحدث فراغاً في أفكارهم ومشاعرهم وخطواتهم العملية في الحياة .وهكذا تكون الاستجابة لله استجابة للحق في كل شيءٍ ،وانطلاقةً في الصراط المستقيم الذي لا يقترب إليه الانحراف ،لأن الباطل إنما يكون نتيجة فقدان الوضوح في الرؤية ،أو نتيجة عقدة ضعفٍ تحركها حالة رغبة أو رهبة تستغل الباطل في الوصول والهروب .
الخضوع لعظمة الله
والله هو القادر على كل شيء ،والغنيّ عن كل أحد ،والمتعالي على كل ذلك ،والمحيط بكل شيءٍ حيٍّ علمه .من هنا تلتقي دعوة الحق التي يحملها الأنبياء بالتوحيد المطلق لله الذي يجعله الرب والملاذ والمرجع في كل شيء ،في الفكر والعاطفة والحياة وفي الشريعة والمنهج والطريق ،فلا إله إلا هو ،ولا فكر إلا وحيه ،ولا شريعة إلا شريعته ،ولا حياة إلا الحياة التي تنطلق من هداه وتلتقي برضاه .{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} ويعبدون غيره ،مما سوّلت لهم أنفسهم اعتبارهم شركاء لله لضعف يعتري أنفسهم ويسحقهم أمام مظاهر القوة التي يملكها أولئك الشركاء الوهميون .إنه الباطل الذي لا ينطلق من أساس ثابت ،ولا يحقق لدعاته أو للسائرين معه أيّة حمايةٍ أو رعايةٍ ،فهؤلاء الرموز من الشركاء{لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيٍ} في أيّ مطلب يتقدمون به ،فليس مثلهم في ذلك{إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} دون أن يرفعهما إلى فمه ،{وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} نتيجة المسافة بين موقع الماء وموقع فمه ،فلا يكون لهم من الطلب إلاّ صورته فقط دون أيّة نتيجةٍ إيجابية ،تماماً كما هو حال صاحب المثل الذي يطلب الري بعيداً عن أسبابه الطبيعية .{وَمَا دُعَآء الْكَافِرِينَ} في التزامهم بعبادة هؤلاء الشركاء{إِلاَّ فِي ضَلالٍ} ،لأنه لا يلتقي بالجانب المشرق الذي يهتدي به الناس إلى سواء السبيل .