وقد أخذ يبين – سبحانه – الفرق بين جزاء الذين استجابوا لربهم والذين لم يستجيبوا ، فبين سبحانه أنه العدل الذي لا يدخله شيء من الضير ، وغيره هو الظلم ، فقال:
{ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب ( 19 )} .
هذا النص الكريم لتأكيد الفارق بين جزاء المتقين وجزاء الذين لا يستجيبون للحق ولا يذعنون ، والاستفهام هنا إنكاري ، لإنكار الوقوع ، أي أنه لنفي التشابه بين من يعلم الحق ، ويذعن له ، ويؤمن به ، ومن يعرض عن الحق ويترك الآيات الدالة على الحق المبين وكأنه الأعمى الذي لا يبصر ، إذ عدم البصيرة كعدم البصر على السواء .
والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي أنه يترتب على اختلاف الجزاءين تقرير أن التشابه بينها غير ممكن ، وأخر الفاء عن تقديم ؛ لأن الاستفهام له الصدارة كما ذكرنا من قبل .
لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، أفيستوي الذين يعلمون{ إنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى} . والمراد بالذي{ أنزل إليك من ربك} القرآن ، وكر بهذا الموصول ليكون متضمنا الحكم ، وهو أنه الحق لأنه أنزل إليك من الله الذي خلقك ورباك وأيدك ، فلا بد أن يكون الحق ، وتعريف الطرفين يدل على القصر ، أي أنه لا يمكن أن يكون إلا حقا ، ولا يمكن أن يكون فيه باطل قط{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . . . . ( 42 )} [ فصلت] ، وقوله تعالى:{ كمن هو أعمى} المراد من لا يصدق أنه الحق ، كأنه الأعمى ، إذ إنه أعرض عن الآيات الشاهدة بالصدق ، وأنه المعجزة الكبرى ، والآيات الدالة على أن الله واحد أحد فرد صمد ، وقد خلق كل شيء وقدره تقديرا ، فاستعير لفظ الأعمى لمن أعرض عن ذكر ربه وأنكر آياته كأنه لم يرها . وإن فقد البصيرة كفقد البصر على سواء .
ثم قال تعالى:{ إنما يتذكر أولوا الألباب} ( إنما ) أداة من أدوات القصر ، أي لا يتذكر إلا أولو الألباب ، أي العقول التي تدرك لب الأمور ، وخواصها ، وما تدل عليه من غير شائبة تقليد ، ولا اتباع لغير المؤمنين ، و ( أولوا ) أي أصحاب الألباب ، ومعنى التذكر إدراك الآيات ، وكأنها لا تحتاج إلى تعرف جديد ؛ لأن أصلها في الفطرة .