صفة المؤمن وصفة المنافق
ما هي صفة المؤمن بالله ،وكيف يتعامل مع الناس والحياة ،وكيف يقيم علاقاته العامة والخاصة ؟هل يخضع للّعبة الشيطانية التي تفسد الكون من حولها أو يتمرّد عليها ليصلح الساحة من حوله ؟وما هي مسؤوليته أمام الله ومع الناس ؟هل هو سلبيٌّ أو إيجابيّ ؟وما هي صفة الكافر أو المنافق في مقابل ذلك ؟
تحدد هذه الآيات الملامح البارزة للمؤمن وغيره ،من موقع العقل الذي يحركه بإيجابيةٍ ووعيٍ ،بينما لا يملك الآخرون أن يحرّكوه في الاتجاه السليم .
من يعلم ليس كالأعمى
{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ} ،لانفتاح قلبه على النيات والدلائل الواضحة وتحريك فكره ،للحصول على قناعة ثابتة من موقع وضوح الرؤية للأشياء بمستوى الإيمان ،بأن النبي لا ينطق عن الهوى ،إن هو إلا وحيٌ يوحى ،بما يمثله الوحي من منطق الحق القادم من رحاب الله .هل يمكن أن يكون هذا{كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} لا يبصر النور الذي يتفايض على الكون من حوله ليملأه إشراقاً وانفتاحاً على حقائق الحياة ؟ومن ثَمَّ ،فإنه لا يستطيع إدراك القضايا المعقّدة التي لا تحتاج إلى إشراق المعرفة ووضوح الرؤية ،ولا يتمكن من أن يفتح صفحة حياته ليتذكر فتنفعه الذكرى ،في تنظيم حياته على منهج سليم ؟
صفات أولي الألباب
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ} أي ذوو العقول الذين يعون مسؤولية أعمالهم ،ويتحملون نتائجها بكل وعيٍ وصبرٍ ،ويرتفعون إلى مستوى المسؤولية الكبيرة بقوّةٍ وانفتاح ،ولا يتجمدون أمام المشاكل الكثيرة التي تصادفهم في الطريق ،فيسقطون عندها ،ويتراجعون عن أهدافهم الكبيرة .
هكذا نفهم دور العقل في حركة الشخصية المتوازنة في الإسلام ،وهكذا نقدِّر قيمته في إثارة التأمل في حقائق الحياة ،وفي استعادة التجربة الماضية واستفادة العبرة للمستقبل منها ،وليتفهم الإنسان من خلال التعمق في فهم القضايا ،كيف يمكن أن يخطط لحياته على أساسٍ واضحٍ وسليم ،ونستوحي من ذلك كيف يريد الإسلام للعقل أن يرتبط بالواقع ،ولا يغرق في خيالات التجريد ،لأن هدف الفكر هو خدمة الحياة في حركة الواقع ،لا خدمة التنظير في رحاب الخيال .