المؤمنون الذين يستجيبون لله
بعد أن ضرب الله تعالى الأمثال للحق ، وبين الدلائل المبينة الدالة على عبادة الله وحده لا شريك له من أنداد وأوثان ، أو أحد من خلقه ، وضرب الأمثال للحق والباطل ، بين سبحانه وتعالى من يستجيب للحق وجزاءه ، ومن لا يستجيب ، فقال تعالى:{ للذين استجابوا لربهم الحسنى} الحسنى هو مؤنث أحسن ، وليس أفعل التفضيل على بابه هنا ، بل المراد الحال البالغة أقصى درجات الحسن ونهايته التي لا غاية في الحسن بعدها . و( استجاب ) معناها أجاب ، ولكنها في أصلها طلب الإجابة ؛ أن السين والتاء للطلب ، والمعنى:للذين أجابوا دعوة ربهم الذي خلقهم ، وقام على شئونهم الجزاء الأحسن الذي لا حسن بعده .
هذا جزاء الذين استجابوا لدعوة الحق ولربهم رسوله ، أما الذين لم يستجيبوا لربهم ولم يلبوا دعوته إلى الحق وعدم الشرك فلهم السوءى ، أي أسوأ الأحوال التي لا نهاية بعدها في السوء . ويلاحظ أن الذين استجابوا جعل استجابتهم لربهم ، والذين لم يستجيبوا لم يذكر في النفي أنها لربهم ، وذلك لسببين:
السبب الأول:أن عدم ذكر ذلك لعدم التكرار ، والتكرار في الأمر مذموم في ذاته غير مقبول .
والسبب الثاني:بيان أنهم ليس من شأنهم أن يستجيبوا لحق ، فقد طمس الله على قلوبهم ، وعلى أعينهم غشاوة ولا يبصرون .
وقد ذكر الله الجزاء الذي يقابل الحسنى بقوله تعالى:{ لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} وهذا يدل على أنه عذاب عظيم يحاول من ينزل به الخلاص منه ، وأنه لا يخلص منه إلا بفداء عظيم يساوي الفداء منه كل ما في الأرض من أموال وأعراض ومتع ومناصب وجاه ، فكان له كفاء ، ومعنى{ لو أن لهم ما في الأرض . . .} إلى آخره لو ثبت أن لهم كل ما في الأرض من ملاذ وشهوات جمعيا غير منفرط منه شيء ، لافتدوا أي رضوا أن يقدموه فداء له ، فما في الأرض إن كانوا يملكونه يقدمونه .
و ( لو ) امتناع لامتناع ، أي امتنع عليهم الافتداء ؛ لأنهم لا يملكون ما في الأرض جميعا .
ولقد صرح سبحانه بأنه سوء في ابتدائه وانتهائه ، فقال تعالى:{ أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد} وسوء الحساب أنه شاق يسوء في نتائجه لا تخفى فيه خافية . بل يحاسبون حسابا عسيرا شديدا في شكله وغايته ، وقد ذكره سبحانه وهو الإلقاء في الحميم . و ( المأوى ) ما يأوي إليه الإنسان يتقي به الحر والبرد ، والمأوى الذي يأوون إليه في الآخرة هو جهنم ، وهي بئس المهاد ، و{ المهاد} جمع مهد وهو الفراش الذي يفترشه لينال به الراحة والقرار ، ولكنه في الآخر ليس للراحة ولكن العذاب الدائم{. . .أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 39 )} [ البقرة] .