{ ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هود7} .
أظهر لنا ، ولم يضمر ، كما قال من قبل:{ ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} فعبر بالموصول بدل الضمير ؛ وذلك لبيان الكفر ابتداء هو الذي دفعهم إلى طلب آية أخرى ، فصلة الموصول ، وهي الكفر ، علة الطلب ، فليست علة الطلب الحق ليهتدوا ، فقد طمس على قلوبهم ، وإنما اتخذوا ذلك تعلة لكفرهم ، وتماديهم في غيهم ، وإلا ففي التحدي والعجز دليل على الإعجاز .
و{ لولا} في قوله تعالى:{ ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية} معناها هلا أنزل عليه آية من ربه ، وإن ذلك يتضمن أنهم لا يؤمنون لعدم وجود آية ، ويتضمن بالتالي إنكار أن يكون القرآن آية مع التحدي المتولي .
وقوله تعالى:{ ويقول الذين كفروا} في التعبير بالمضارع ما يفيد بتكرار هذا الطلب عنادا وسترا لكفرهم ، ولعجزهم عن التحدي طلبوا أن ينزل عليهم كتاب في قرطاس وأن يلمسوه بأيديهم ، وأنكروا أن يعبث الله بشرا رسولا ، ورد الله تعالى قولهم بقوله:{ قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا 95} ( الإسراء ) ، وطلبوا آيات يسترون بها كفرهم:{ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا 90 أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا 91 أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا 92 أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا 93 وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءتهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا 94}( الإسراء ) .
وهكذا يكفرون بالمعجزة وينتحلون لأنفسهم ما يحسبونه عذرا بإنكارهم القرآن ، وقوله تعالى:{ لولا أنزل عليه آية من ربه} فيه تنكير{ آية} للمبالغة في الإنكار ، كأنهم يطلبون أي آية ، ولا يعدون القرآن الكريم آية ، وهو أعظم الآيات وأبقاها .
رد الله سبحانه وتعالى قولهم بقوله:{ إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}( إنما ) أداة من أدوات القصر ، أي لست إلا منذرا ينذرهم بسوء العقبى ، ومآل الإنكار ، وقد أنذرت ، وأقمت الحجة على أنك متكلم من عند الله تعالى ، وقوله تعالى:{ ولكل قوم هاد} متضمن معنيين ، وتشملهما ؛ الأول:أن كل قوم لهم نبي يهديهم ويرشدهم ، فإن اهتدوا كانت لهم الحسنى ، وإلا كان لهم السوءى ، وهذا كقوله تعالى:{. . . .وإن من أمة إلا خلا فيها نذير 24} ( فاطر ) ، والثاني:أن كل قوم لهم معجزة تهديهم إلى الرسول تناسبهم ، فكانت معجزة عيسى ما كان لأنه بعث في عصر لا يؤمنون فيه بالسببية ، ويعتقدون أنها لا تختلف ، فجاءت معجزاته هدما لقانون السببية ، وخرقا لنظامه ، ومحمد صلى الله عليه وسلم جاء للخليقة كلها من بعده إلى يوم القيامة ، فكانت معجزته من النوع الذي يبقى ولا يزول ولا يحول ، وهو كلام الله الذي يبقى ويتحدى بإعجازه الخليقة إلى يوم الدين{ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم بعض ظهيرا 88}( الإسراء ) .
وإن الذين أرسلت إليهم الآيات المادية منهم من كذب بها ، وكانوا الأكثرين ؛ ولذا قال تعالى:{ وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا من كذب بها الأولون . . .59}( الإسراء ) .
وقوله تعالى على النحو الذي نهجناه وهو{ إنما أنت منذر} جملة مستقلة عن التالية ، فيكون معناها ما ذكرنا من أنه عليه الصلاة والسلام مختص بالإنذار ،{ ولكل قوم هاد} جملة أخرى دالة على ما ذكرنا من الأمر ، وجاء في حاشية الشهاب على البيضاوي أن{ هاد} معطوف على{ منذر} أي إنما أنت منذر وهاد ، وتكون هاد مؤخرة عن تقديم ، ويكون المعنى:إنما أنت منذر وهاد لكل قوم . وهو معنى محتمل ولكنه ليس الظاهر البين من السياق .
بعد أن أشار سبحانه إلى خلق السموات وما فيها بين سبحانه آياته في خلق الإنسان .
قال الله تعالى:{ الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار 8عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال 9 سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار 10 له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال 11}