{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} في أسلوب خبيثٍ هدفه إظهار النبي عاجزاً أمام الناس لمعرفتهم المسبقة بعدم استجابته لمثل هذه الطروحات ،أو لاعتقادهم بعجزه عن ذلك أو لتخيلهم عدم صدقه في دعواه النبوّة ،كونها متلازمةفي زعمهممع المعجزة الكونية الظاهرة ،وهذا هو المراد من الآية وهي المعجزة .{إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ} تنذر الناس عقاب الله إذا كفروا أو عصوا ،ولست معنيّاً بتغيير الظاهرة الكونية في هذا الموقع أو ذاك ،لأن ذلك ليس شأن الأنبياء أو مهمتهم ،إلا في الحالات الصعبة التي يفرضها التحدي أو تقتضيها مصلحة الرسالة ،لأن المعجزة ليست أسلوباً يُراد منه إخضاع الناس للفكرة ،بل هي وسيلة من وسائل توضيح الصورة في بعض المواقف ،وإزالة الإشكالات في بعضها الآخر ،والله يريد للإنسان أن يحصل على القناعة من موقع الفكر والتأمل والحوار ،في ما يقدّمه النبي في رسالته ،من أفكار وأساليب تدعم صدق الرسالة ،وتؤكد مضمونها لدى الناس ،في خط الهداية الذي يوصلهم إلى الإيمان والطاعة ويقربهم من الله ،وينظم أمورهم على أساس الهداية .{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} يقيم عليهم الحجة في ما كانوا يجهلونه ،فيعرّفهم كل تفاصيله ويدفعهم إلى الالتزام العملي بما يعرفونه ،ويوجههم إلى وسائل ذاك الالتزام .وبذلك يتحرك خط الهداية في حركة الأنبياء والأوصياء والأولياء والعلماء ،التي يريد الله لها أن تحتوي الساحة كلها ،فلا تترك موقعاً بعيداً عن نشاطها .
وقد نستوحي من ذلك كيف ينبغي للدعاة إلى الله ،العاملين في سبيله ،أن يؤكدوا على هذه الشمولية في عمل الدعوة في خط الهداية ،ليملأوا المواقع كلها بالمبلّغين والوعاظ والمرشدين الذين يبلغون رسالات الله ،ويرشدون الضالين ،لدخول كل القلوب وفتح كل الأبواب للحق .