{ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد7} .
المفردات:
الذين كفروا: المراد بهم هنا: كفار أهل مكة .
لولا أنزل: لولا بمعنى: هلاّ ،فكلتاهما للحض والحث على فعل الشيء .
آية من ربه: الآية: العلامة ،والمراد بها هنا: ما طلبوه من الخوارق مثل: تفجير الينابيع والأنهار ،والرقى في السماء .
التفسير:
7{ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ...} .
وهذا لون آخر من تعنت المشركين من أهل مكة ،فقد أنزل الله القرآن الكريم ،معجزة خالدة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ،وآية باقية ،لكن كفار مكة اقترحوا على الرسول: أن ينزل عليهم آية مثل آيات الرسل السابقين ،أي: كعصا موسى ،أو ناقة صالح ،أو إحياء الموتى على يد عيسى .
أي: هلا أنزل على محمد معجزة مادية ملموسة تدل على صدقه ،مثل: تفجير ينابيع الأرض ،وزحزحة الجبال من حول مكة ،ثم ينبت مكانها الأعناب وصنوف النباتات ،وقد حكى القرآن الكريم عنهم مثل هذه الاقتراحات في سورة الفرقان في الآيات 711 ،وكذلك في سورة الإسراء ،حيث يقول سبحانه:{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا* أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا* أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا* أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا}( الإسراء:90 93 ) .
{إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} .
أي: إن وظيفتك قاصرة على إبلاغ الرسالة ،وتبشير المؤمنين بالجنة ،وإنذار المشركين بالعذاب ،وقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم ؛لإفهام المشركين: أن وظيفة الرسل قاصرة على تبليغ الرسالة والدعوة إلى الإيمان ،وإنذار المكذبين ،والرسول بعد ذلك بشر يوحى إليه ،فليس إلها ،ولا يملك الاستجابة لمطالبهم وتحقيق رغباتهم المتعنتة ،قال تعالى:{ومنعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}( الإسراء:59 ) ؛فهؤلاء كفار مكة إذا جاءتهم معجزة مادية ،سيصرون على كفرهم وبذلك يستحقون نزول العذاب بهم ؛عقوبة على كفرهم وعنادهم ،وقد شاء الله أن يكون الإسلام آخر الرسالات ،وأن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ،وأن تكون معجزته عقلية خالدة باقية ،وألا يهلك قومه في حياته ،قال تعالى:{وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم* وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}( الأنفال:33 ، 32 ) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه ،فكان الوحي يرشده إلى الصبر والاحتمال ،وبيان أن هذه سنة الله في خلقه ،قال تعالى:{ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} . ( البقرة:272 ) .{إن عليك إلا البلاغ} .( الشورى:48 ) ،{فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمصيطر} ( الغاشية:22 ، 21 ) .
{ولكل قوم هاد} .
أي: نبي يدعوهم إلى الهدى والرشاد ،ويحتمل أن يكون المعنى: أن الله أعلم حيث يجعل رسالته ،وهو يعطي كل رسول ما يناسبه من الآيات والمعجزات وقد شاء سبحانه أن يؤيد محمدا بمعجزة خالدة باقية داعية إلى الهداية .
أي: لكل قوم من أقوام الرسل معجزة داعية إلى الهدى لمن اهتدى بها ،وقد أعطى الله محمدا القرآن أبلغ داعية إلى الهدىvi ،قال تعالى:{أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}( العنكبوت:51 ) .