أهل الجنة
بعد أن صور الله تعالى حال العصاة ، وشيخهم إبليس ليعلم المؤمنون مآل العصيان فيجتنبوا أسبابه في الدنيا ، بين سبحانه ما ينتظر المؤمنين تشجيعا لهم ليستمروا في طريقهم وهو طريق الحق ، فقال سبحانه:{ وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} .
{ وأدخل الذين آمنوا} البناء للمجهول ، ومن الذي أدخلهم ، أي ما الفاعل الذي لم يذكر وبنى للمجهول ، قالوا:إن الفاعل هم الملائكة ، وإن ذلك سائغ مستقيم ، ويصح أن تقول:إن الله سبحانه هو الذي أدخلهم ، ولكن لم يذكر لفظ الجلالة للإشارة إلى أن ذلك جزاء عملهم ، فالبناء للمجهول يؤدى إلى هذا المعنى وهو ترتيب الإدخال في الجنة على أعمالهم ، وقوله تعالى:{ بإذن ربهم} ، أي برضاه وأمره ، وما رتبه من أن كل نفس ما كسبت ، وقد ذكر سبب دخول الجنة في صلى الموصول:{ الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فسبب دخول الجنة أمران:الإيمان وهو بالحق وتصديقه والإذعان به ، والعمل الصالح ، وقال تعالى:
{ وعملوا الصالحات} ، أي الأفعال الصالحة من أداء الفرائض ، والصح وصف عام لكل عمل هو نافع لذاته ، وقصد به وجه المنفعة للناس ، فالصالحات تشمل كل الفرائض الشرعية والعمل الطيب والقول الطيب .
ولا نتعرض لكون العمل جزءا من الإيمان أولا ، إنما نقول:إن ما تنطق به الآية ومثيلاتها أن العمل جزء من استحقاق الثواب الذي أعد للمؤمنين .
وقد وصف الله سبحانه وتعالى الجنة بأنها النعيم المقيم ، فالأنهار تجري من تحتها ، أي أن الأنهار تجري من تحت الأشجار ، فتجرى فيها متخللة أشجارها فيكون المنظر بهيجا ، وتكون متعة النفس بالظلال ، ومنظر الماء يجرى ، والخضرة التي تسر النفس ، وتمتع القلب .
ويكون مع ذلك الأنس الروحي بالائتلاف والأمة والسلام ؛ ولذا قال تعالى:{ تحيتهم فيها سلام} يتبادلون التحية ، وليس تلاوما أو تأثيما ، كما يجري بين أهل النار بين التابع والمتبوع والشيطان من ورائهم .