ولما كان هذا جزاء الظالمين ،من حسرات متتابعة ،قابل القرآن بين موقفهم وموقف المؤمنين ،على طريقة القرآن الفذة في الجمع بين الأضداد .فقال سبحانه وتعالى:
{وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ...} .
أي: أدخل الله تعالى في ذلك اليوم العظيم المؤمنين الصالحين ،جنات وبساتين يانعة تجري الأنهار من تحت أشجارها وقصورها ؛زيادة في البهجة وحسن المنظر .
{خالدين فيها بإذن ربهم} .أي: ماكثين فيها أبدا ،خالدين فيها خلودا أبديا ،نعيمهم دائم سرمدي لا ينقطع .
{بإذن ربهم} .بأمر الله وفضله ،وهو أمر نافذ لا يرده أحد ،وبفضله الذي لا حد له ،الذي يتفضل به على المؤمنين فيضاعف لهم الثواب ،رحمة منه وفضلا .
روى البخاري في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( لن يدخل أحدا عمله الجنة ) ،قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟!قال: ( ولا أنا ؛إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته ،فسددوا وقاربوا ،ولا يتمنين أحدكم الموت ؛إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا ،وإما مسيئا فلعله أن يستعتب )17 .
ومعنى يستعتب: يتوب ويندم ويستغفر .
{تحيتهم فيها سلام} .
أي: تحيتهم في الجنة: سلام ،بمعنى: أمان وتحية ،وهي: تحية الله لهم ،وتحية الملائكة لهم ،وتحية المؤمنين بعضهم لبعض .
قال تعالى:{سلام قولا من رب رحيم} . ( يس:58 ) .
وقال سبحانه:{تحيتهم يوم يلقونه سلام} . ( الأحزاب:44 ) .
كما أن الملائكة تحيّي المؤمنين بالسلام في الجنة ،قال تعالى:{والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} . ( الرعد:24 ، 23 ) .
وقال تعالى:{حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} . ( الزمر:73 ) .